الدمام.. مدينة الأجيال والآمال

أن تتصدر الدمام المركز الثاني في جودة المدن بالمملكة، والثالث عربيا. فذلك، ليس مجرد تصنيف رقمي، بل انعكاس لمسيرة مدينة بدأت من العدامة، الحي البسيط الذي شكّل مهد نشأتها، لتتحول إلى حاضرة كبرى تحتضن المطار والميناء والقطار، وتتكامل مع محافظات حديثة ومدن تراثية ضاربة في عمق التاريخ مثل الأحساء والقطيف. إنها قصة تحول حضري واقتصادي وثقافي تلخص طموح رؤية السعودية 2030.
تتميز الدمام اليوم ببنية تحتية جعلتها مركزًا محوريًا في شبكة النقل الإقليمي والدولي. فمطار الملك فهد الدولي، أحد أكبر مطارات العالم مساحةً، يمثل البوابة الشرقية للمملكة ويخدم ملايين المسافرين سنوياً، إلى جانب دوره المتنامي كمحور لوجستي وتجاري. أما ميناء الملك عبدالعزيز، فهو الشريان البحري الأهم في الخليج، يربط المملكة بالأسواق العالمية ويعد ركيزة أساسية للصادرات والواردات وداعماً مباشراً للقطاع الصناعي. كما تمثل محطة السكك الحديدية «سار» التي تربط الدمام بالرياض -ومستقبلاً بالبحرين ودول الخليج- محوراً استراتيجياً في تعزيز كفاءة النقل المستدام.
هذا التكامل بين الجو والبحر والبر يجعل الدمام مدينة متعددة المنافذ، ومهيأة لتكون مركزاً عالمياً للخدمات اللوجستية والتجارة الدولية. لكن الدمام ليست مدينة عصرية فحسب، بل قلب حضري يضم الخبر والظهران والقطيف والجبيل، ويتكامل مع الأحساء، أكبر واحة نخيل في العالم والمدرجة على قائمة التراث العالمي لليونسكو. هذا الامتداد يمنح المنطقة الشرقية بعداً إنسانياً وثقافياً فريداً، يجعلها لوحة حضرية تجمع بين الأصالة والحداثة.
إن الجمع بين موانئ حديثة ومشاريع صناعية كبرى، وبين تراث عريقٍ يمتد آلاف السنين، يمنح الدمام ميزة تنافسية ويجعلها نموذجاً للمدينة السعودية المتكاملة في روحها وملامحها.
اليوم، المركز الثاني في جودة المدن ليس نهاية الطريق، بل بداية مرحلة جديدة تسعى فيها الدمام لترسيخ مكانتها كمدينة ذكية ومستدامة من خلال مدن خضراء تتبنى حلول النقل البيئي وتوسع المساحات المفتوحة. كما يتواصل العمل على تطوير الاقتصاد الإبداعي الذي يدمج الصناعات الثقافية والفنية مع الاقتصاد الصناعي والتجاري، إلى جانب تطوير السياحة التراثية عبر إبراز إرث الأحساء والقطيف وربطهما بالمنطقة كوجهة واحدة متكاملة.
ولتعزيز هذا النمو، من المهم تكامل منظومة النقل عبر ربط المطار والميناء والقطار بأنظمة ذكية، وزيادة الرحلات الجوية من خلال الربط الجوي، وتفعيل محطات شحن المركبات الكهربائية والتشجير بما ينسجم مع مبادرة السعودية الخضراء، وتفعيل الغرامات ضد السلوكيات غير البيئية، مع إبراز البعد الثقافي من خلال تطوير المتاحف والمسارات السياحية، وتمكين النقل البحري بين المدن الساحلية. كما تسعى الدمام لتكون منصة إقليمية للمعارض والمؤتمرات ومركزاً رائداً للاقتصاد اللوجستي والإبداعي.
من العدامة حيث البدايات المتواضعة، إلى المعالي حيث تتجسد الطموحات، تمتد حكاية الدمام كمدينة ولدت من قلب البحر وارتفعت مع الموج لتصبح بوابة الشرق إلى العالم. رحلة صنعتها عزيمة رجالٍ وآمال أجيالٍ، وآمنت بأن التقدم لا يُبنى بالإسمنت فحسب، بل بالإنسان والهوية.
وكما قال صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد رئيس مجلس الوزراء «يحفظه الله»:
«طموحنا أن نبنيَ وطناً أكثر ازدهاراً يجد فيه كل مواطن ما يتمناه، فمستقبل وطننا الذي نبنيه معاً لن نقبل إلا أن نجعله في مقدمة دول العالم، بالتعليم والتأهيل، بالفرص التي تتاح للجميع، والخدمات المتطورة، في التوظيف والرعاية الصحيّة والسكن والترفيه وغيره.»
تستمد الدمام من هذه الرؤية وقودها، ومن تاريخها جذورها، لتواصل رحلتها نحو مستقبلٍ أرحب، تُجسّد فيه روح السعودية الجديدة. من العدامة حيث الحلم، إلى المعالي حيث يتحقق الطموح.
aalmaghlouth@gmail.com
هذا التكامل بين الجو والبحر والبر يجعل الدمام مدينة متعددة المنافذ، ومهيأة لتكون مركزاً عالمياً

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *