أغلبنا إن لم يكن كلنا أثر فينا على الأقل معلم واحد في مسيرة حياتنا التعليمية، بل البعض منا ربما أثر به عدة مدرسين في مراحل مختلفة أثناء رحلتهم العلمية.
المعلم ليس موظف! هو قدوة، ومربي، وملهم، بل قد تكون له بصمة خالدة في ذاكرة وسلوك الطالب من حيث يعلم أو لا يعلم، خصوصاً في المراحل الأولى من التعليم.
المعلم أهم من المناهج، ومن المباني والمدارس، ومن الوسائل التعليمية والتقنية. هو العنصر الأساسي في أي منظومة تعليمية كانت.
والشواهد على ما أسلفت عديدة، فيُذكر أن المحدث العلامة إسحاق بن رهويه، قال في مجلس العلم «الصف الدراسي بلغة اليوم»: ليت من يجمع الصحيح في كتاب. فوقعت تلك الكلمة في قلب الطالب الفتى أبي عبدالله محمد بن إسماعيل البخاري، فألف أصح كتاب للحديث النبوي المسند على مر العصور. ومن نفس المنطلق، يُذكر أن الفقيه العالم حماد بن أبي سليمان قال: يا نعمان، إني أرى فيك ذكاءً وفطنة، فتفرغ للعلم. فصار تلميذه أبو حنيفة يلقب بالإمام الأعظم. حتى أنه قد روي عن الإمام الشافعي أنه قال: من أراد أن يتبحر في الفقه، فهو عيال على أبي حنيفة.
وحتى أؤكد مجددا على أهمية كلمات المعلم للطالب وتبعاتها المستقبلية، فأذكر أني قرأت للعقاد أنه عندما كان طالبا حضر الإمام محمد عبده لأحد الصفوف الدراسية، وطلب النظر في دفاتر الطلاب، وصادف أن يكون أحد الدفاتر للعقاد، فقال الإمام: حري بهذا الخط والأسلوب أن يكون كاتبا في المستقبل! فكتب العقاد بعد ذلك في مذكراته: أنه لم ينسَ هذه الكلمات أبدا.
ويُروى أيضا في هذا الباب، أن طالبا كان بطيء الفهم والحفظ في مجلس الإمام الشافعي، فكان الشافعي يخصص له من وقته ليعلمه، حتى أن الأمام قال له: لو قدرت أن أطعمك العلم لأطعمتك إياه! وتدور الأيام، ويشاء الله سبحانه وتعالى أن يكون هذا الطالب الذي كان بطيء الفهم!! من أهم العلماء وأوثقهم في الروايات عن المذهب الشافعي. هذا الطالب هو الربيع بن سليمان، وصار يعرف بصاحب الشافعي، ورحل إليه الناس من كل أقطار الأرض، ليأخذوا عنه علم الشافعي، ورواية كتبه، حيث أصبح هو المرجع المعتمد.
فبناءً على ما سبق ذكره، يعتبر المعلم يا سادة يا كرام ودون أدنى شك، الركيزة الأساسية من أجل بزوغ جيل يحب ويقدر العلم والتعليم. وحديثنا عنه اليوم لأن «5» أكتوبر يوافق «اليوم العالمي للمعلمين». ويُحتفل بهذا اليوم سنويًا في جميع أنحاء العالم، بعد اعتماده رسميًا من منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة «اليونسكو» في عام 1994م. وهذه التوصية تضع مؤشرات مرجعية تتعلق بحقوق ومسؤوليات المعلمين، ومعايير إعدادهم وتدريبهم. ويأتي الشعار لهذه السنة «2025م»: «المعلمون في قلب تعافي التعليم». وأنا أقول: المعلم هو التعليم.
ولعلي بهذه المناسبة، أشكر المعلم على الدور العظيم الذي يقوم به، وكذلك أذكره أن بعضاً من كلماته قد تصنع دكتوراً ماهراً، أو مهندسا حاذقاً، أو محدثاً بارعاً، أو فقهيا مجدداً، أو أديباً وخطيباً مفوهاً، أو فيزيائيا مبتكراً أو مبرمجاً مبدعاً.
إن وراء كل ناجح ومؤثر في الحياة، معلم ترك بصمة ورحل.
abdullahalghannam@hotmail.com