انطلقت فعاليات مهرجان الملك عبد العزيز للصقور بتنظيم نوعي وفريد من نادي الصقور السعودي، والذي يُعد المعرض الأضخم من نوعه في العالم على مساحة تتجاوز مائة وتسعين ألف متر مربع وبمشاركة دولية تتجاوز خمس وأربعين دولة وبما يتجاوز ألف وثلاثمائة عارض وعلامة تجارية، ويتخلله أكثر من ثلاثة وعشرين فعالية نوعية تجمع بين التراث والأدب والتنافس الشريف والاعتزاز بالموروث، وبمعروضات تتجاوز الآلاف عبر ثمان وعشرين قسماً متخصصاً في الصقور والأسلحة والسيارات المعدلة والتخييم.
ومع هذا التنوع المبهر والإعداد الفريد إلا أن الترحاب وكرم الضيافة السعودية تبهر الزائر وتستوقفه ابتداءً من مواقف السيارات على أيدي شباب وشابات سعوديين وانتهاء برجال الأمن والدوريات الأمنية على مدخل المهرجان، تنافس في تقديم الخدمة ودعم المحتاج بوجه بشوش ونفس راضية ويد معطاة، وبمجرد الدخول إلى صالات المعرض يلحظ الزائر بأن المنظمين لم يكتفوا بعرض التراث المادي فحسب، بل يصممون تجارب تفاعلية تُشرك الزائر في ممارسة قيم الكرم، ففي كل ركن من أركان المعرض تحضر القهوة السعودية والتمر بشتى أنواعه، وفي المجالس التراثية، يُستقبل الزائر بعبارة «مرحبا ألف»، ويُدعى لتجربة الأطباق التراثية والشعبية المحلية وسط أجواء من الود والتبادل الثقافي؛ مما يؤكد دور أولئك الأبطال في تسويق الموروث السعودي الأصيل والذي يُعد من أبرز سمات الشخصية السعودية التي طالما تميّز بها المجتمع كابر عن كابر، وجعلت من المملكة نموذجًا في الترحاب بالضيف وإكرامه.
وتُعتبر الضيافة السعودية ركيزة أساسية في الموروث الشعبي، حيث كان بيت الشعر في الصحراء رمزًا للكرم، والقهوة العربية عنوانًا للترحيب، والابتسامة الصادقة جواز المرور إلى القلوب. هذه الممارسات المتوارثة عبر الأجيال تمثل اليوم إرثًا حضاريًا يسعى السعوديون إلى نقله للعالم بلغة حديثة تجمع بين الأصالة والإبداع. ومع تطور المشهد الثقافي والترفيهي وتعدد الفعاليات ما بين مهرجان الملك عبد العزيز للإبل، والمعرض الدولي للكتاب وموسم الرياض، والجنادرية وغيرها في السنوات الأخيرة، بدأت المملكة في تسويق هذه القيم الأصيلة بشكل مبتكر من خلال الفعاليات والمهرجانات التي أصبحت منصات عالمية للتعريف بالهوية السعودية، والتي يجد الزائر نفسه أمام تجربة متكاملة تجمع بين الأصالة والحداثة؛ حيث تُقدَّم القهوة السعودية على أنغام الفنون الشعبية، وتُروى حكايات عن الكرم العربي الأصيل الذي ما زال متجذرًا في النفوس.
وبهذا ندرك جميعاً أن إدارة الفعاليات لا تقتصر على تقديم مشهد تراثي فحسب، بل تتعداه إلى بناء تجربة تفاعلية تمكّن الزائر من لمس روح الكرم من خلال التعامل المباشر مع الشباب السعوديين الذين باتوا يلعبون دور «سفراء الضيافة»، ويبرزوا القيم السعودية إلى العالم بطريقة حديثة. فعندما يرى الزائر شابًا سعوديًا يرحب به بابتسامة صادقة ويقدّم له القهوة بتقليدها العريق، فإن تلك اللحظة تترسخ في ذاكرته أكثر من أي إعلان أو حملة ترويجية، لتؤكد أهمية بناء علامة وطنية للضيافة السعودية تجعل من الكرم عنصرًا اقتصاديًا وثقافيًا يُسوَّق عالميًا ضمن الرؤية الوطنية 2030م بالإضافة إلى كونه قيمة اجتماعية والسعي إلى جعل الثقافة أسلوب حياة ومصدر فخر وطني.
فمن من خلال الفعاليات والمواسم والأنشطة الثقافية، لم تعد الضيافة السعودية مشهدًا يُروى فقط في القصص، بل أصبحت تجربة حية يعيشها الزوار من مختلف أنحاء العالم، تعبّر عن روح المملكة وهويتها المتجددة التي تمزج بين الأصالة والمعاصرة. وبهذا تبرز أهمية إشراك الشباب السعودي في تنظيم الفعاليات وتمثيل المملكة أمام الزوار، والعمل الجاد على تدريبهم وتأهيلهم في مجالات الضيافة والتواصل الثقافي، أصبح الشباب سفراء حقيقيين للقيم السعودية، يقدمون صورة مشرفة عن روح المجتمع المتعاون والمضياف.
malwadai@kku.edu.sa