في الخامس من أكتوبر كل عام، يحتفي العالم بـ يوم المعلم العالمي، تقديرًا للرسالة السامية التي يحملها المعلّمون في بناء الإنسان وصناعة المستقبل.
وفي المملكة العربية السعودية، تتجدد المناسبة هذا العام وسط تحولات تعليمية نوعية تقودها رؤية 2030، التي جعلت من المعلم محور التحول ومن التقنيات الحديثة والذكاء الاصطناعي شريكًا فاعلًا في رحلة التطوير والتجديد.
يوم المعلم العالمي
ومع بروز الذكاء الاصطناعي كقوة محركة لمستقبل التعليم، يرى التربويون أن هذه التقنية لا يمكن أن تكون بديلًا عن المعلم، بل مساندة له في أداء رسالته وتعزيز أثره في الميدان التعليمي.
بداية أوضح الدكتور عبدالعزيز محمد الغامدي، المتخصص في اقتصاديات التعليم وتخطيطه، أن أهمية الذكاء الاصطناعي في التعليم تكمن في دعم جودة العملية التعليمية ورفع التحصيل الدراسي للطلاب، بشرط استخدامه الاستخدام الأمثل وتوظيفه ضمن سياسات واضحة وإجراءات مدروسة.
وقال: “شهدت المؤسسات التعليمية في السنوات الأخيرة تحولًا جذريًا بفعل دخول تقنيات الذكاء الاصطناعي إلى الصفوف الدراسية في التعليم العام والجامعي. ورغم الإيجابيات الكبيرة التي حققها هذا التحول على مستويات الطالب والمعلم والإدارة المدرسية، إلا أن هناك تحديات يجب التعامل معها لضمان الاستخدام الرشيد لهذه التقنيات”.
الاستخدام الخاطئ للذكاء الاصطناعي
وأضاف الغامدي أن من أبرز هذه التحديات الاستخدام الخاطئ للذكاء الاصطناعي، الذي قد يؤدي إلى فقدان الطالب لمهارات التحليل والاستنتاج والاعتماد المفرط على البرامج الذكية في حل الواجبات دون فهم حقيقي.
لذلك دعا إلى نشر ثقافة الاستخدام الأخلاقي والمنصف للذكاء الاصطناعي في التعليم على جميع المستويات، مع تدريب المعلمين على تصميم أنشطة تعليمية مقاومة للغش الآلي، وتعزيز قيم النزاهة الأكاديمية والتعلم الذاتي في المدارس والجامعات.
وأكد أن الطريق نحو تعليم مستدام ومؤثر يمر عبر تمكين المعلم والتقنية معًا، بحيث يصبح الذكاء الاصطناعي ذراعًا مساندة تسهّل عملية التعليم وتفتح آفاق الإبداع، لا أداة بديلة عن الخبرة التربوية واللمسة الإنسانية التي يتميز بها المعلم.
بناء الأجيال وصناعة المستقبل
وقال الباحث التربوي الدكتور راضي الزويد، إن يوم المعلم هو مناسبة عالمية لتكريم من حملوا على عاتقهم بناء الأجيال وصناعة المستقبل، مؤكدًا أن المعلم يظل الركيزة الأساسية في نهضة الأمم والعنصر الأهم في تحقيق التنمية المستدامة.
وأوضح أن الذكاء الاصطناعي والمعلم يشتركان في التأثير المباشر على مستوى الطالب وتحصيله العلمي، وأن فعالية هذا التأثير تتوقف على طريقة استخدام التقنية ودرجة دمجها في العملية التعليمية.
وأضاف الزويد أن التقنيات الذكية ساهمت أيضًا في دعم ذوي الاحتياجات الخاصة من خلال أدوات مثل القراءة الآلية والمساعدات الصوتية، مما جعل التعليم أكثر شمولًا وإنصافًا.
التعليم ورؤية المملكة 2030
وأشار إلى أن رؤية المملكة 2030 أولت التعليم عناية كبيرة باعتباره الأساس في بناء مجتمع معرفي تنافسي عالميًا، مبينًا أن جهود المملكة شملت التحول الرقمي عبر منصات تعليمية مثل مدرستي، وبرامج تدريب المعلمين محليًا ودوليًا، ودمج تقنيات الذكاء الاصطناعي والواقع المعزز والهولوجرام في بيئات التعلم الحديثة.
كما نوه الزويد بتطوير المناهج الدراسية لتتواكب مع مهارات القرن الحادي والعشرين، مثل التفكير النقدي والتعلم الذاتي والقيم الوطنية، إضافة إلى المبادرات التحفيزية كجائزة التعليم للتميز وجائزة المعلم المتميز، التي تهدف إلى تشجيع الإبداع التربوي في الميدان.
واختتم حديثه قائلًا:“يظل المعلم هو القلب النابض للعملية التعليمية، والذكاء الاصطناعي هو العقل الداعم الذي يعزز قدراته. وعندما يلتقيان، يولدان تعليمًا أكثر كفاءة وابتكارًا. يوم المعلم ليس مجرد احتفاء بالرمز، بل تجديد للعهد على مواصلة دعم المعلم وتمكينه، ليظل منارة تُضيء دروب المعرفة في وطن يضع الإنسان أولًا.”
الاحتفاء بالمعلم
فيما أكد المستشار الاجتماعي طلال محمد الناشري، أن اليوم العالمي للمعلم ليس مجرد مناسبة عابرة تُذكر في التقويم، بل هو وقفة تقدير وامتنان لأولئك الذين اختاروا أن يصنعوا الفرق في حياة الآخرين، فحملوا رسالة التعليم بإخلاص، وغرسوا في عقول الأجيال بذور الوعي والمعرفة، وفي قلوبهم القيم والاتزان.
وبين أن الاحتفاء بالمعلم هو احتفاء بالوطن ذاته، فالمعلم هو من يشكل ملامح المستقبل، ويرسم بخبرته ومسؤوليته معالم النهضة، مؤكدًا أن كل إنجاز تربوي أو علمي في أي مجتمع يقف خلفه معلم آمن برسالته، وبذل من وقته وجهده ما يجعل من التعليم رسالة لا مهنة.
وأضاف أن التوازن بين الدور التربوي والدور الاجتماعي للمعلم يمثل أحد ركائز النجاح في المنظومة التعليمية، فالمدرس ليس ناقلًا للمعرفة فحسب، بل قدوة وسند، ومصدر إلهام لطلابه، وهو أيضًا فرد في المجتمع له احتياجات إنسانية، ومسؤوليات أسرية تتطلب دعمًا وتفهمًا من المحيطين به.
رسالة إلى المعلمين
وأشار إلى أهمية الاهتمام بصحة المعلمين الجسدية والنفسية، فجودة التعليم تبدأ من جودة حياة من يقدمه، فالمعلم المتوازن صحيًا ونفسيًا قادر على منح طلابه طاقة إيجابية، وإبداعًا في التعليم، وإحساسًا صادقًا بالرسالة التي يحملها.
وفي ختام تصريحه، وجه الناشري رسالة إلى المعلمين قال فيها: إن مهنة التعليم ستبقى تاج المهن، ورسالة الأنبياء، وركيزة كل نهضة، فالمعلم ليس مجرد ناقلٍ للمعرفة، بل هو صانع الإنسان ومهندسُ العقول، الذي يزرع في كل طالب بذرة حلمٍ، ويرويها بالصبر والإيمان حتى تُثمر علمًا ونورًا، إن مسؤوليتكم – أيها المعلمون – أعمق مما يُرى، فأنتم تشكلون وعي الأجيال، وتغرسون فيهم القيم التي تحفظ للمجتمع توازنه، وتحمون المستقبل من الجهل والتيه.
وتابع: أنتم المرآة التي يرى فيها الوطن وجهه المشرق، والعقل الذي يبني، والقلب الذي يمنح دون انتظار، لذا أقول لكل معلم ومعلمة: إن العطاء الحقيقي لا يقاس بعدد الدروس التي تُدرَّس، بل بعدد القلوب التي تُلهم، والأحلام التي توقظونها في نفوس طلابكم، فكل عام وأنتم بخير، وكل عام وأنتم مناراتٌ تُضيء طريق الأجيال، وتكتبون بخطواتكم حكاية وطن ينهض بالعلم، ويزدهر بفضل من حملوا شرف التعليم.