أرامكو.. استثمار في العقول والهام للأجيال

في إحدى الأمسيات الهادئة تلقيت دعوة عشاء من صديق قديم، لم أكن أعرف من سيكون حاضرا لكن الفضول دفعني للحضور. جلست إلى طاولة يغلب عليها الحماس حيث كانت مجموعة من الشباب يتحدثون بلهجة واثقة تتنقل بين العربية والإنجليزية مستخدمين مصطلحات علمية دقيقة وكأنهم أمام لوحة مستقبلية يرسمون ملامحها بعقولهم.
مع إنصاتي لحوارهم أدركت أنهم جميعا يعملون في شركة أرامكو كانوا يتحدثون عن الإبداع والتطوير وعن كيفية توظيف أحدث التقنيات لتحسين الأداء والارتقاء بمستوى العمل حديثهم لم يكن عاديا بل كان مشبعا بالمعرفة نابضا بالطموح وكأن كل كلمة تفتح نافذة نحو الغد.
في تلك اللحظة أيقنت أن الفرق كبير بين مؤسسات تدير العقول وتستثمر فيها وأخرى لا تتجاوز حدود الإجراءات.. شباب أرامكو كانوا يتحدثون عن تحويل الأفكار إلى واقع عن مشاريع تدار بذكاء وعن بيئة عمل تحتضنهم بالتدريب المستمر والسياسات المرنة التي تصقل خبراتهم أدركت أن سر نجاح أرامكو لا يكمن في كبر حجمها ومكانتها العالميه فقط..بل في عقول موظفيها الذين يشكلون العمود الفقري لمستقبلها.
لكن ما أثار دهشتي حقا أن تأثير أرامكو لم يتوقف عند حدود مكاتبها ومشاريعها النفطية، بل امتد إلى ثقافة المجتمع بأسره في المنطقة فقد نشرت الشركة قيم السلامة لتصبح جزءا من وعي الناس اليومي كما نشرت برامج لتعليم الأطفال قواعد السلامة المرورية والمنزلية ليكبر جيل يحمل هذه الثقافة كجزء من حياته اليومية..
كما تركت بصمه عميقة في التعليم عبر برامجها ومبادراتها المجتمعية أنشأت مراكز تعليمية متطورة وأطلقت جوائز للقراءة والابتكار ودعمت المدارس في مختلف مدن المنطقة لتغرس بذور المعرفة في الأجيال الصاعدة.
مركز إثراء.. منارة ثقافية
ولعل أبرز المبادرات التي تجاوزت حدود الصناعة لتصل إلى عمق المجتمع هو مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي.. إثراء هذا الصرح تحول إلى منارة ثقافية تجمع الفنون والعلوم والمعرفة تحت سقف واحد وتفتح أبوابها للأطفال والشباب والكبار لتغذية عقولهم وإشعال شغفهم بالابتكار والإبداع. إن إستثمار أرامكو في العقول وإلهام الأجيال لم يكن مجرد شعار بل واقع يعيشه المجتمع كل يوم.
لقد تعلمت من شباب أرامكو أن التدريب المستمر ليس رفاهية بل ضرورة وأن الاستثمار في العقول هو الاستثمار الأذكى على الإطلاق.
ختام التجربة..
غادرت الأمسية محملاً بالأفكار ممتناً لتلك الجلسة التي ألهمتني.. أيقنت أن أرامكو لم تكن مجرد شركة نفطية كبرى بل مؤسسة ثقافية وتنموية ساهمت في صناعة وعي المجتمع.
moad_aziz@hotmail.com