في زمنٍ أصبح فيه الحضور بالصورة أبلغ من الكلمة، اختارت المملكة أن تكون مشهداً يحتذى به، لا أن تكتفي بالمشاهدة، لتجسّد مفهوم التأثير بشكل واضح، وفي كل تفاصيل الحياة اليومية، تمد السعودية يدها للثقافات وقلبها للعالم، فلم تعد مناطق البلاد مقصداً للسائح فقط، بل أصبحت تجربة إنسانية عميقة يعيشها كل من زارها، فحيثما مررت تجد العائلة حاضرة، والتواصل حي، والكرم واضح قولًا وفعلًا، وكذلك الاعتزاز بالماضي، وليس لأنه ماضٍ فقط، بل لأنه مازال حيًا، فتراه في لهجتنا، وعاداتنا، وطباعنا الأصيلة.
ولعل هذا الشكل من التبادل الثقافي مع الزوار يعد أنجح أشكال التأثير الحقيقي للمجتمع بكيف يكون واثقًا، ومشرقًا، ومتصالحًا مع هويته، لتكون بمثابة جسر تواصل بينه وبين الضيف، حيث أن زيارة الضيف هي تجربة ملهمة يعيشها من اللقاء الأول، حيث حفاوة الترحيب حاضرة، وكرم الأخلاق مجسدًاً صورة بليغة تعكس طبيعة المجتمع.
واختارت المملكة أن تبدأ التأثير من الداخل، ونجحت في تقديم نموذج معاصر يجمع بين الأصالة والحداثة، ويظهر جلياً في المعارض والمؤتمرات الدولية، وكذلك في المشاريع الصغيرة ذات طابع المفردة المحلية، فتجد أسماء المقاهي تتحلى بمفردات عربية وسعودية، وتحمل طابعًا حنونًا ودافئًا، لتقدم أفضل تجربة لمن زارها، وتبرز حضور هويتها في شتى المناسبات الرسمية، بأفكارها التي أصبحت منتجات تُقدَّم بطابع ثقافي مميز، وهذه المبادرات تحمل رسالة قوية، تعكس الفخر والانتماء وتعزز من الهوية الوطنية، وحين تتجول رحلة الأوركسترا السعودية حول العالم، التي لم تنقل الموسيقى فحسب، بل قدمت سردية صوتية عن حضارة تتكامل فيها فخامة الأصالة مع الطموح، وتأنس بها الشعوب، وكذلك حين يفتح جناحٌ سعوديّ أبوابه في أي معرض دولي، ذلك ليس مجرد تواجد، بل جسرًا يصل العالم بنا، فالسعودية تفتح كتابها على صفحة عالمية جديدة، حيث أن الزائر لا يعود بتذكار فقط، ولكن بتجربة ثرية وغنية شعورياً، تتجاوز الجانب البصري وتجعله مطمئناً للعودة إليها مره أخرى.
وهذا التحول ليس وليد اللحظة، بل نتيجة لرؤية طموحة، خلفها قيادة ملهمة، تؤمن بأن الثقافة هي أساس التنمية، وأن الهوية هي قاعدة الانطلاق نحو المستقبل، فقيادتنا الرشيدة هي وقود الإلهام للشعب وخير مثال للناس وللعالم، وأكبر المؤثرين على طاقة المجتمع، لتدفعه إلى الاستفادة من خبرة ماضيه، لنهضة حاضره، وإشراقة مستقبله، فقادتنا هنا لا يصنعوا قرارات فقط، بل يتركون أثرًا في وعي الناس وفيما يطمح له كل شاب وشابة نحو الارتقاء إلى الأفضل، وهذا الإيمان انعكس في حجم الإنجازات، والاستثمار في الطاقات الشبابية، مما جعل المواطن شريكاً حقيقياً في بناء الصورة الجديدة للمملكة وعنصرًا مهمًا في نهضتها، فالهوية السعودية بكل ما تحمله من قيم وتقاليد ومفردات، أصبحت علامة مميزة يتعرف عليها الآخرون، ويتأثرون بها، ويقتربون منها، وهذا ما يجعلها في عام التأثير الإعلامي ليست فقط تُرى.. بل تُلهم.. وتُعلِّم.
fatimaibrahem.b@gmail.com