في مقالي المائة ضمن صحيفة «اليوم»، آثرتُ أن يكونَ عنوانه في ثنايا القلم والورق، الحبر والحرف، لأن الحرف سفير القلوب، ولأن الكُتاب هم سفراء هذا الحرف الذي قد يأسرك أو يُرشدك أو يفرحك أو ربما يُغرقك، سفراء الأمل والألم في آنٍ واحدة، هم من ينسجون المقالات والقصائد والملاحم، هم من تفيضُ أقلامهم بكلماتٍ صادقة، هم من يُدركون بأن القلم سلاحهم الذي يحاربون بهِ الظُلم والخذلان، هم وحدهم من يعرفون بأنهُ لولا الكلمات لما نهضت الأمم وارتقت المجتمعات.
تبدو الكتابة في ظاهرها وكأنها عمل فني سهل وممتع، ولكن الكتابة في الواقع هي عمل شاق وصعب يُنهك الكاتب ويستنزف تفكيره ومشاعره، فالكاتب من خلالِ كتابته لا يعيشُ حياةً واحدة فحسب، ولكنهُ يعيشُ إبداعية أخرى إلى جانب حياته العادية التي يعيشها الآخرون، الأدب ُيملأ نهارهُ بالكامل، والكلمات تتراقص في عقله كُل مساء بعدَ استحضار عقله لموقفٍ ما، أو حديثٍ قد سمعه أو لربما حكايةٍ من كتابتهِ يرويها للآخرين، إذ أنهُ يجيدُ التعبير عن كُل ما يراه ويسمعه بطريقة موجزة، ولكنها في نفس الوقت تبدو كثيفة ومُعبرة، تصفُ الحال بوضوح وإيجاز وشاعرية.
سألني أحدهم ذاتَ مرة في إحدى اللقاءات التي استضافتني عما إن كانَ بالإمكان صناعة كاتب من خلال حضوره الورش الإبداعية، والدورات التعليمية، أجبتهُ بأنها لربما ستصنع كاتباً يكتب كُل ما يشهده ويسمعه، ولكنهُ لن يكُون كاتباً حقيقياً مُبدعاً، سيكتب نصوصاً عادية تفتقر للقيمة الفنية التي تُولد بالفطرة مع كُل كاتب، ثُم عادَ للتشكيك في إجابتي مرةً أخرى بقولهِ ولكنَ الذكاء الاصطناعي اليوم سهّل الطريق لكتابة العديد من المقالات المحترفة وفي دقائق معدودة، فأجبته بأنها ستكونُ نصوصاً خالية من الإبداع الإنساني الذي مصدرهُ عقل وقلب الكاتب اللذان هما من صُنع الخالق، وهو بالتأكيد ما سيعجز الذكاء الاصطناعي عن خلقه، فالكتابة التقنية اليوم تعد واحدة من أهم الأدوات التي تساهم في نقل المعرفة، وتبسيط المعلومات ومن ثم نقلها للقراء، ولكنها لن تحمل طابع الكتابة الإبداعية التي ماهي الا مزيج من عصارة التجارب التي طحنت عقل الكاتب فأورثتهُ ذاك الأسلوب المميز في تزيين الكلمة لِتُسفر عن جمال عقله وقلبه في آنٍ واحدة.
ومضة:
الجمال لا ينبع من كونه استثنائيًّا أو غامضًا، بل لأنه صورة حية قريبة من الحس والشعور.
arwaalmouzahem@gmail.com