في سيرة المصطفى المختار صلوات الله وسلامه عليه أنه أتى إلى بني عامر بن صعصعة في موسم الحج: فدعاهم إلى الله، وعرض عليهم نفسه، فقال رجل من كبارهم يقال له بيحرة بن فراس: والله لو أني أخذت هذا الفتى من قريش لأكلت به العرب، ثم قال: أرأيت إن نحن بايعناك على أمرك، ثم أظهرك الله على من خالفك أيكون لنا الأمر من بعدك؟
قال صلى الله عليه وآله وسلم: الأمر إلى الله، يضعه حيث يشاء.
فقال بيحرة: أفتُهْدف نحورنا للعرب دونك، فإذا أظهرك الله كان الأمر لغيرنا، لا حاجة لنا بأمرك، فأبوا عليه.
ولما رجعت بنو عامر إلى ديارها تحدثوا إلى شيخ لهم لم يوافه الموسم لكبر سنه، وقالوا له: جاءنا فتى من قريش من بني عبد المطلب يزعم أنه نبي، يدعونا إلى أن نمنعه ونقوم معه، ونخرج به إلى بلادنا.
فوضع الشيخ يديه على رأسه ثم قال: يا بني عامر وهل لها تَلاَفٌ؟! هل لذنابها من مطلب؟ والذي نفس فلان بيده ما تقوّلها إسماعيلي قط، وإنها لحق، وأين رأيكم كان عنكم.
هذا الموقف التاريخ يبين لنا ما تؤدي إليه قلة التوفيق وقصر النظر والطمع المبالغ فيه، فكم من فرصة ضاعت بسبب قلة التوفيق المبنية على بعد عن المواطن التي يُستجلب بها التوفيق وعلى رأسها القرب من الله سبحانه.
وكم من فرصة أضاعها قصر النظر والبعد عن التفكير الاستراتيجي، فالتركيز على مكاسب اللحظة الحالية وعدم النظر لما ستتجه له الأمور، وكم من مكسب حالي قال لصاحبه دعني.
وكم من فرصة ضاعت بسبب طمع مبالغ فيه، ومن ذلك ما يفعله بعض الشباب من وضع الشروط والطلبات المبالغ فيها عند البحث عن الوظيفة فتمر الأعوام وهم لم يحصلوا على ما يريدون، ولو أنهم قبلوا الفرصة المتاحة وأثبتوا جدارتهم فيها لأمكنهم المفاوضة في قادم الأيام، وحتى تعويض ما فقدوه في بداياتهم.
إذن إذا أتتك الفرصة، فانظر وتأمل وادع الله، واستخر واستشر أصحاب الخبرة والرأي، ثم أقدم ولا تتردد، وكما قال الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه:
إِذا هَبَّت رِياحُكَ فَاِغتَنِمهـــا فَعُقبــى كُــلُّ خافِقَــةٍ سُكــونُ
وَلا تَغفَل عَنِ الإِحسانِ فيها فَما تَدري السُكونُ مَتى يَكونُ
وَإِن دَرَّت نِياقُكَ فَاِحتَلِبهـــا فَما تَدري الفَصيلُ لِمَن يَكونُ
إِذا ظَفِرَت يَداكَ فَلا تَقصِّر فَــإنَّ الــدَهـرَ عادَتَــهُ يَخــونُ
aldabaan@hotmail.com