ما الذي تبحث عنه عندما تبدأ حياتك العملية، مع استبعاد الدخل المادي كونه أساس بدئها؛ أو سأبدأ بسؤال أخر، والذي يعد السؤال ما قبل ذلك السؤال، وهو ما التجارب التي اطلعك عليها الآخرون من باب التوعية لتتسلح بها من بيئتك الجديدة؟ وهل خطوتك الأولى بعد التوظيف هي التخلي!
أحياناً «الفلسفة» تتصدر أراء وأحاديث المبتدئ لسببين، إما أنه يحتاج ألا يكون جديد على هذا الوضع، أو أنه كان يريد فرض وجوده، ولو كان بكلام دون معنى، ليبني أولى معاركه الخاصة.
كل بيئة عمل تضم خليطاً من الشخصيات، الطموحات، التوقعات، «التسليكات» والأطماع! وهذا الخليط يولد توتراً وقصصاً مختلفة كمسلسل يحكي كل حلقة منه قصة منفردة.
المثير للتأمل أن أغلب صراعات العمل ليست مع من هم حولك، بل هي مع الذات! فقد تجد الصراع بين الكرامة والحاجة للاستمرار، بين الإنجاز والشعور بعدم التقدير، بين الطموح والرغبة بالراحة؛ بين عدم الرضا والقفز لمكان الآخرين، بين الالتزام بما لك وعليك والتعدي على الباقيين؛ وهذا كله أشد أنواع الصراعات انهاكاً للجسد والفكر وبيئة العمل.
ومن أبرز أنواع الصراعات هي صراعات الأدوار، وهي أكثر الصراعات مثيرةً للإحباط؛ فبعضهم كان فقط يحتاج إلى هذه الفرصة لتتشقلب شخصيته إلى شخصية أخرى سيئة، وهناك من يبدأ بالاستحواذ بنهم لا يتوقف!
أحياناً عندما تشاهد الصراعات من بعيد، قد تتعجب من تصرفات بعضهم، ومحاولاتهم الغريبة لتحقيق شيء ما يسعون إليه! قد تكون شماعة حداثة العمل هي البارزة لبعضهم، ولكن لماذا تكون هذه التصرفات هي الطريق لبدء عمله؟
هل بالإمكان تجنب الصراعات؟ أعتقد بأنه سؤال يستلزم أن يُجاب عليه بمقولة: «إذا حجت البقر على قرونها» لأنه ببساطة الصراع المصغّر من ضمن مكونات الحياة الطبيعية، ولكن ما يمكن فعله هو إدارة هذه الصراعات بوعي، وتحويل المشكلة إلى فرصة لفهم وجهات النظر المختلفة، ليتحقق النضج؛ وإن تُركت بلا معالجة، سيتحول إلى سيل من استنزاف الطاقات الذي سيؤثر على الجميع.
لنتفق بأن وجود الصراعات ليس المشكلة! بل في كيفية التعامل معها، حتى إن كانت مؤلمة، لأنها تكشف ثغرات غائبة وتحتاج إلى التحسين.
ولا ننسَ أن الصراعات هي جزء من أنواع التعليم لنخرج منها بوعي أكبر، لنديرها بطريقة مهنية حتى لا تسرق من عمرنا عمراً دون جدوى.
al.shehri.k@hotmail.com