في سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم- تبرز شخصية غريبة نوعا ما، ومكمن الغرابة أنها اتخذت لها طريقًا ثالثًا غير سبيل المؤمنين ولا طريق الكافرين، إنه: «عبد الله بن أُبيّ بن مالك الخزرجي، المعروف بان سلول» الذي عرف برأس المنافقين..
كاد أن يُتوّج ملكًا على يثرب قبل هجرة النبي -صلى الله عليه وسلم- ، فقد كان سيدا معظما ولم يجتمع الأوس والخزرج على رجل واحد غيره، لكن قدوم الرسول أبطل حلمه، وعطل تتويجه فامتلأ قلبه غيظًا وحسدًا، وبدل أن يواجه الإسلام مواجهة صريحة، اختط لنفسه وأتباعه مسلكًا آخر؛ إلا وهو (النفاق)، والنفاق يعني؛ إظهار الإسلام وإبطان الكفر.
كان لعبد الله الخزرجي مواقف سيئة وشنيعة ضد الإسلام، ففي غزوة بدر تخلّف وهوّن من شأن النصر. وفي معركة أُحد انسحب بثلث الجيش. ولا ننسى حادثة الإفك التي كان من أبرز من أشاع الكذب على أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها. وفي غزوة تبوك بثّ الوهن وثبّط الناس عن الجهاد، وغيرها من المواقف.
وحين مات الخزرجي، صلى عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- إكرامًا لابنه الذي كان مؤمناً صالحاً، ثم جاء النهي الإلهي:
«وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰ أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَىٰ قَبْرِهِ» -التوبة-.
هل انتهى النفاق بموت الخزرجي؟ لم ينتهِ ولن ينتهي النفاق الأكبر، بل هو باقٍ في كل زمان ومكان؛ تتلون رؤوس النفاق بأسماء جديدة وأقنعة عصرية، فيهدفون إلى هدم الإسلام من الداخل عبر التشكيك في ثوابته، وينكرون السنة النبوية ويصفون الصالحين بالسفهاء، ويُسمّون الفساد إصلاحًا، وهم سبيل الأعداء إلى احتلال بلدانهم.
من قصة ابن سلول تعلمت:
المجد قد يكون قريبًا من المرء، لكن الكبر والحسد يحجبانه عن صاحبه.
أهل الباطل يتشبثون بباطلهم، ويفنون أعمارهم في محاربة الحق.
الأسوياء يوظفون كل سبيل للخير، والأشرار يستغلون كل سبيل للإفساد.
شياطين الإنس يسمون الأشياء بغير أسمائها ليبرّروا فسادهم.
قفلة:
قال أبو البندري غفر الله له:
المجد الحقيقي يبنى بالصدق لا بالأقنعة المزيفة.
alomary2008@gmail.com