صفقة إعادة هيكلة عمليات «تيك توك» في الولايات المتحدة لا يمكن قراءتها كـ»نصر أمريكي» خالص، ولا «رضوخ صيني» كامل، بل كخطوة وسطية في صراع أعمق بين القوتين على سيادة البيانات والتكنولوجيا.
الإدارة الأمريكية قدّمت الاتفاق على أنه انتصار لمنطق «السيادة الرقمية»، إذ أُجبرت بايت دانس على تقليص ملكيتها إلى أقل من 20%، وإشراك مستثمرين أمريكيين في الكيان الجديد، مع وعود بإخضاع الخوارزمية لإشراف أمني أمريكي. من هذه الزاوية، واشنطن تؤكد أنها وضعت «جدار حماية» لبيانات 170 مليون مستخدم، ضمن اجراءاتها لحماية الأمن القومي.
لكن الإعلام الصيني صوّر الصفقة كإعادة هيكلة برعاية بايت دانس نفسها، مع استمرار دورها التشغيلي وتأثيرها على الخوارزمية والأنشطة التجارية للتطبيق. هذه الرواية توحي بأن الصين لم تتنازل بالكامل، بل نجحت في الحفاظ على حضورها داخل السوق الأمريكية عبر صيغ قانونية جديدة.
وبين هذا وذاك، تبقى الصورة بشكلها النهائي لم تحسب بعد، ففي الملف الأهم وهو مصير الخوارزمية، لا يعرف إن كانت ستنتقل فعليًا إلى سيطرة أمريكية أم أن بايت دانس ستحتفظ بمفاتيحها الجوهرية؟ فضلاً عن أن التقييم المالي البالغ 14 مليار دولار يُعد أقل بكثير من تقديرات سابقة بين «30–40 مليار بدون الخوارزمية»، ما يوحي إما بتنازلات أو باستثناء أصول مهمة في الصفقة.
«هدنة تكتيكية» قد تصف ما جرى بكشل أدق، كما لو أنها مرحلة جديدة في «حرب السيادة الرقمية» بين واشنطن وبكين، فأمريكا تحاول فرض نموذجها في حماية البيانات والسيطرة على المنصات، بينما تتمسك الصين بنفوذها في منصتها التي ابتكرتها وطورتها مع قدرتها على التكيّف مع مختلف الضغوط.
بعبارة أخرى ما حدث ليس رضوخًا صينيًا مطلقًا ولا نصرًا أمريكيًا نهائيًا، بل تسوية سياسية واقتصادية تعكس توازن قوى عالمي في طور التشكل. إنها إشارة إلى أن الحروب المستقبلية لن تدور حول الأرض والحدود فقط، بل حول السيادة على البيانات والخوارزميات والفضاء الرقمي، حيث لكل شبر من المعلومات قدسية لا تقل عن قدسية الأرض.
في السياسة والعلاقات الدولية في العصر الرقمي تشبه حرمة بيانات المستخدمين لمنصات التواصل، حرمة الأرض في قدسيتها وحرمة المساس بها. وكما أن التعدي على شبر من أرض حدودية يمكن أن يشعل فتيل حرب بين دولتين، فإن بيانات المستخدمين قد تشعل حربًا مشابهة على السيادة الرقمية. هذا ما تجسّده بوضوح أزمة «تيك توك» بين واشنطن وبكين.
waleedalahmmed@yahoo.co.uk