فاقد الشيء يعطيه وبسخاء

«فاقد الشيء لا يعطيه»، كتبت سابقاً في هذا الموضوع واليوم أعود وأكتب لاختلاف البعض في معناه الحقيقي والذي هو، أن من لا يمتلك شيئًا أو يعيش تجربة لا يمكنه أن يمنحها للآخرين، إلاّ أن صحة هذه المقولة تعتمد على الفرق بين الفقد المادي والفقد المعنوي فالفقد المادي، لا يمكن الشخص إعطاءه للآخرين، أما الفقد المعنوي، كالحب أو الأمان، والحرمان فكثيراً ما نرى فاقدين معنوياً يعطون بكثرة لأنهم أدرى بقيمة ما فقدوه رغبة وأملاً في تعويض هذا الفقد لنفوسهم ولغيرهم.
فالفاقد للخبرة والذي لا يمتلك شيئًا من الأساس، أومن لم يعش تجربة معينة، لا يمكنه بالطبع أن يمنحها للآخرين.
لكن الفاقد للفقد لمعنوي هو من فقد الحنان والعاطفة، وفي هذه الحالة يكون من أقدر الناس على منحها.
والشواهد كثيرة. فمن فقدوا الأمان هم من يتعطشون لمنحه للجميع وكذلك ومن فقدوا التفاهم والدعم هم أيضاً من يستطيعون أن يقدموه لغيرهم، فالكثير ممن حرموا الحنان صغاراً نجدهم مصدراً للحنان كباراً.
حيث إن من عانوا الحرمان يُدركون قيمة الحنان بشكل أعمق ويُقدمونه بسخاء لمن حولهم كتعويض عن مرارة فقدانهم له في الصغر، بناء على مصادر كثيرة.
وكذلك اليتيم الذي ذاق مرارة اليتم وفقدان المعيل المادي والعاطفي، نجده معطاء لأمثاله.
والذين حرموا من الإنجاب يعطون الحب ببذخ لأطفال الآخرين. وكذلك الذين لم يتعلموا لظروفهم الخاصة، من واقع معرفتي بهم، أبناؤهم علماء وعباقرة، ومسئولون في الدولة وفي القطاع الخاص.
واقع حقيقي للعطاء وبلا حدود، نرى ونسمع قصصاً لأشخاص كانوا في الماضي فقراء فأغناهم الله فتذكروا معاناتهم وتذكروا الفقراء وشعروا بمعاناتهم فقدموا أفضل ما لديهم ولم يبخلوا بشيء.
إذاً ليس صحيحاً ما تعارف عليه البعض بأن فاقد الشيء لا يعطيه. التربية القاسية التي تعرض لها بعض الآباء والأمهات في الصغر كانت معاملتهم لأبنائهم مبنية على الحنان والصبر النصح والتسامح والهدوء النفسي.
والذي فقد التقدير والثناء والاحترام صغيراً الإنسانية فلا شك سيمنحه للآخرين، فكلما قدم الإنسان ويقدم من إحسان يعود إيجابًا، مبدأ: يؤكد أن الأعمال الصالحة والخيرية التي يقوم بها الشخص ترتد عليه بالنفع والخير في المستقبل، وأن كل خطوة حسنة في طريق العطاء تقود إلى نتائج إيجابية في حياته الشخصية والمجتمعية، سواء كانت هذه النتائج مادية أو معنوية.
neesa_makki@hotmail.com

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *