أصبح التخرج كابوسا جديدا من كوابيس الشباب، فالطريق إلى الوظيفة لم يعد مفروشا بالورود كما يتخيّل كثير من الشباب، فبرغم التطور الكبير في التعليم والتقنية، لا يزال الواقع الوظيفي مليئًا بالتحديات التي تجعل حلم العمل بعد التخرج يصطدم بجدار المتطلبات الجديدة والمعايير الصارمة التي يفرضها سوق العمل.
يتخرج الشباب متأملين فرصًا وظيفية تتوافق مع طموحاتهم وأهدافهم التي اجتهدوا سنوات طويلة لتحقيقها.
إلا أن الواقع يصدمهم حين يتقدم أحدهم إلى وظيفة أحلامه، فيكتشف أن متطلباتها أعلى من قدراته كخريج جديد، وهنا يدخل الكثير منهم في دوامة الإحباط، بعد أن يدركوا أن السنوات التي قضوها في الدراسة لا تكفي وحدها لتحقيق الحلم، وأنهم مطالبون بامتلاك مؤهلات ومهارات أخرى تفتح لهم أبواب سوق العمل.
فأصبحت المهارة تفوق الشهادة الأكاديمية، حيث أُجريت دراسات حديثة تشير إلى أن الشهادة لم تعد العامل الحاسم والمؤثر في التوظيف، فقد نشر المنتدى الاقتصادي العالمي في تقريره لعام 2023 أن نصف الموظفين حول العالم سوف يُعاد تأهيل مهاراتهم بحلول عام 2025، وذلك نتيجة للتحولات التقنية المتسارعة، وتأتي دراسة جامعة هارفارد لتؤكد على المهارات العملية والشخصية، فقد أشارت إلى أن 85% من النجاح المهني يعتمد على المهارات العملية والشخصية مثل التواصل وحل المشكلات، بينما لا تتجاوز مساهمة المعرفة النظرية 15% فقط.
وهذا يعني أن أصحاب العمل لم يعودوا يبحثون عن الشهادات الأكاديمية بقدر ما يبحثون عن أشخاص ذوي مهارات متعددة، قادرين على الإنجاز والابتكار، فالسوق متغير، والتغيرات التقنية والاقتصادية تفرض معايير جديدة، وأصبحت القدرة على التكيف أهم من مجرد الحصول على شهادة.
ولا تقع المسؤولية على الشباب وحدهم، بل تمتد أيضا إلى الجامعات ومؤسسات التعليم التي يجب أن تدمج التدريب العملي والتجارب الواقعية في برامجها بشكل مكثف، كما أن على الشركات أن تتعاون في تقديم فرص التدريب الداخلي التي تمنح الشباب خبرة عملية قبل الدخول الفعلي إلى سوق العمل.
وفي عالمنا الحاضر، على الشباب أن يسعوا لاكتساب المهارات المختلفة جنبًا إلى جنب مع تحصيلهم العلمي، وهذا ما يتطلبه سوق العمل الحديث، ويشمل ذلك مهارات التواصل، وحل المشكلات، التفكير الناقد، وإدارة الوقت، والتكيف مع التغيرات، بالإضافة إلى المهارات التقنية المرتبطة بمجالات تخصصهم، فالمستقبل لم يعد لمن يملك الشهادة فقط، بل لمن يجمع بين العلم والخبرة والمهارة، وبين الطموح والقدرة على مواجهة تحديات الواقع.
elione848@gmail.com