الصناعة التقليدية لطلبة الدراسات العليا في الجامعات

تسعى المملكة العربية السعودية في إطار رؤية 2030 إلى بناء اقتصاد معرفي منافس عالمياً قائم على الابتكار والبحث العلمي، ويكون رافداً أساسياً للتنمية المستدامة، وهذا ما أكدّه صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود ولي العهد رئيس مجلس الوزراء -حفظه الله تعالى- في الخطاب الملكي السنوي بمجلس الشورى.
المتابع لبرامج الدراسات العليا في عدد من الجامعات السعودية يلحظ فجوة ساحقة وغياب واضح لتوظيفها في خدمة برامج الرؤية الوطنية المتنوعة، وتعميق للتقليدية في التلقين المعرفي القائم على تعليب وقولبة طلبة الدراسات العليا ضمن قوالب ذهنية ومهارية محدودة جداً، مما يعكس النظرة الاستراتيجية لبعض القائمين على تخطيط وبناء تلك البرامج ابتداء، ومروراً بتنفيذها، وأخيراً بتوظيفها وتقديمها للمجتمع إما على هيئة خدمات أو منتجات إبداعية ابتكارية تسهم في حل مشكلة ما، أو سد احتياج مجتمعي ، أو إيجاد اقتصاديات ناشئة ومشاريع معرفية صغيرة ومتوسطة ذات إسهام تنموي في الميزانية العامة للدولة.
ومن هنا تبرز أهمية طلاب الدراسات العليا والدور المناط بهم حيث يمثلون الطليعة العلمية والبحثية في الجامعات، وصناع التنمية، وبناة المستقبل، ومحترفي الابتكار، لكونهم ليسوا متلقين للمعرفة فحسب بل صُنّاع ومنتجين لها، وقادة فعالون في ميادين البحث والابتكار والتعليم، وخصوصاً في ظل تأكيد الرؤية الوطنية 2030 على تعزيز الاستثمار في رأس المال البشري وإيجاد البيئة البحثية القادرة على إنتاج المعرفة الأصيلة والمؤثرة عالمياً من خلال تحفيزهم على إجراء الأبحاث العلمية التطبيقية التي تعالج التحديات الوطنية في المجالات الأعلى طلباً في الميادين المعرفية والأسواق العالمية كالطاقة المتجددة، والذكاء الاصطناعي، والأمن الغذائي وغيرها، ودعمهم لربط تلك الأبحاث بالمشاريع الاستراتيجية لبرامج الرؤية الوطنية كبرنامج التحول الوطني وبرنامج تنمية القدرات البشرية، والاستراتيجيات الفئوية كالاستراتيجية الوطنية للتنمية الشبابية واستراتيجية الأسرة، والاستراتيجيات القطاعية كاستراتيجية قطاع الثقافة وقطاع السياحة وقطاع الرياضة وغيرها، واستراتيجيات المناطق والمكاتب التنفيذية والاستراتيجية، والاستفادة من التجارب العالمية الناجحة والعمل على نقل المعرفة وتوطينها.
ولتفعيل ذلك لا بد من العمل على تأهيل العاملين بالدراسات العليا بالجامعات، وتعريفهم بآليات توظيف مشاريع الطلاب والطالبات لخدمة مستهدفات الرؤية وبرامجها، وتنمية المناطق والرقي بها، والعمل على مراجعة ما يُقدم داخل القاعات والمعامل لتصبح أكثر ارتباطاً بالاحتياجات التنموية والاقتصادية، وتوسيع نطاق المنح البحثية وتشجيع الطلبة على المشاركة في المشاريع الوطنية الكبرى، ودمج التقنيات الحديثة في التدريب البحثي، مثل استخدام البيانات الضخمة، وإنترنت الأشياء، والحوسبة السحابية.
كما تتطلب مرحلة التطوير رصد التحديات والتعامل معها باحترافية، وإشراك أصحاب المصلحة، والخروج من المباني الأكاديمية للبحث عن أفكار العمل الابتكارية، وتعزيز الثقافة البحثية لدى الطلبة وربطها بالحلول الوطنية، وتطوير مهارات الكتابة الأكاديمية والنشر في مجلات علمية محكمة ذات تأثير عالمي، والتغلب على الفجوة بين البحث والتطبيق، من خلال تعزيز التعاون مع القطاعات العامة والخاصة وغير الربحية، وأخيراً فصناعة طلبة الدراسات العليا في الجامعات السعودية ليست مجرد مسار أكاديمي تقليدي، بل هي مشروع وطني استراتيجي يرتبط ارتباطاً وثيقاً بمستهدفات رؤية 2030. فهؤلاء الطلبة يمثلون الذخيرة العلمية والفكرية التي ستقود المملكة نحو التميز العالمي في البحث والابتكار، وتدعم تحولها إلى اقتصاد معرفي مستدام.
malwadai@kku.edu.sa

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *