هل تصدق كل ما ترى وتسمع؟

لقد اعتدنا في الماضي على أن التسجيل الصوتي أو الصورة أو مقطع الفيديو يمثل دليلاً قاطعاً على حقيقة الواقعة. كنا نوقن تماماً أن الصوت الذي نسمعه يخص صاحبه، وأن المقطع المرئي يعكس فعلاً ما قام به الشخص. هذا اليقين كان بمثابة حجر الزاوية في إدراكنا للأحداث، ولكن اليوم، تغيرت هذه المعادلة تماماً.
لقد أصبح من السهل الآن، وبفضل التطور المخيف والسريع للذكاء الاصطناعي، أن يتم أخذ نبرة صوت إنسان رحل عن عالمنا منذ عقود ليُصنع منها كلام يتحدث عن واقعنا المعاصر وكأنه لا يزال بيننا. هذه القدرة الفائقة للذكاء الاصطناعي لا تقتصر على الأصوات فحسب، بل تمتد لتشمل الصور والمقاطع المرئية التي تُصنع بدقة متناهية في ثوانٍ معدودة. تخيّل طبيباً موثوقاً ومشهوداً له بالكفاءة، يظهر في مقطع فيديو مُفبرك ليعلن عن منتج طبي معين ويشيد بفوائده، بينما في الحقيقة لا يعرف الطبيب هذا المنتج ولم يجربه. هذا التزييف، الذي يضع المستهلك أمام خطر صحي كبير، ليس سوى مثال بسيط على التلاعب الذي يمكن أن يحدث. كذلك هو الحال مع المقاطع الصوتية التي تُنسب إلى شخصيات معينة، فنحن نسمعها ونظن أنها حقيقية لمجرد تشابه الصوت، في حين أن الذكاء الاصطناعي هو من أنشأها.
إن التطور المذهل للذكاء الاصطناعي قد تحول، للأسف الشديد، إلى أداة لزرع الفرقة والنزاع وهدم البيوت وتشويه السمعة. لقد أصبح الحكم على أحد بمجرد رؤية صورة أو مقطع فيديو أمراً خطيراً قد يؤدي إلى نتائج وخيمة. لذلك، أصبح التثبت والتحقق من المعلومة واجباً أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى. يجب ألا نوقن يقيناً تاماً بأن الشخص هو من قال هذا الكلام أو فعل هذا الشيء، حتى نراه ونسمع منه مباشرةً في واقعنا الحقيقي. فمجرد ظهور صورة له وهو يتحدث، أو سماع صوته المألوف، لم يعد كافياً للجزم بالحقيقة.
في هذا العصر الذي تتلاشى فيه الحدود بين الحقيقة والزيف، يقع على عاتقنا مسؤولية كبرى في تحصين أنفسنا ومجتمعنا بالوعي واليقظة. يجب أن نتبنى ثقافة التثبت من كل ما يُعرض علينا في الفضاء الرقمي، وأن نحتفظ بحكمنا حتى تتضح الصورة كاملة، وأن نبتعد عن إصدار الأحكام السريعة. فحماية الأفراد والمجتمع تبدأ من حماية الحقيقة نفسها.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *