لا شيء تعطيه؟ فكر مجددا

يقول آدم غرانت:
«الأشخاص الأكثر تأثيرًا ونجاحًا هم المعطاؤون، ليس لأنهم ينتظرون المقابل، بل لأنهم يزرعون الثقة، ويبنون علاقات، ويخلقون بيئات يزدهر فيها الجميع.» -Give and Take-.هل تخيلت يومًا قوة هذه الكلمات في حياتك؟
قبل أسابيع، انتشرت صورة سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، يحفظه الله، وهو يتبرع بالدم. لم تكن مجرد لقطة عابرة، بل شرارة إنسانية. وربما شعرت حينها، كما شعر آلاف الآخرين، برغبة في المشاركة، في رفع يدك للعطاء، في أن تكون جزءًا من هذه الموجة لأن الخير معدٍ، خاصة حين ينبعث من قائد يُحتذى به. وهو كما يصف أبو حيان الأندلسي «بنون لآباء كرام وسادة مدائحهم تروى بغرب وشرق».
تخيل الآن طفلًا في زاوية مدرسة، يتأمل لعبته المفضلة، ثم يضعها في صندوق التبرعات بابتسامة خجولة. هل شعرت بشيء ؟ ؟ الدراسات الحديثة أظهرت أن الأطفال يشعرون بسعادة أكبر عند المشاركة أو تقديم مساعدة فعلية للآخرين، بغض النظر عن الشكر أو الموارد المتاحة لهم. هذا ما يسمّيه الباحثون warm- glow-، شعور داخلي دافئ ينبع من العطاء نفسه—وشعورك أنت حين تعطي لا يختلف عنه.
الدماغ يكافئك حين تمنح، ويطلق الدوبامين والأوكسيتوسين، مانحًا شعورًا بالرضا العميق. وهنا الحقيقة الجوهرية: استثمارك في العطاء «على أيّ وجهٍ كان» هو استثمار في ذاتك؛ إذ به تتهذّب، وبه تتكاثر الفضائل، وبه تعمّر الأنفس.
في السعودية، لم يعد العمل الخيري فعلًا عشوائيًا، بل أصبح جزءًا من المشروع الوطني ضمن رؤية 2030. مؤسسات عدة نظمت العمل الخيري وجعلت المشاركة منهجًا مستدامًا، والأثر يمتد إليك أيضًا، إلى كل متطوع ومتبرع، مخلقًا شبكة متصلة من التأثير الاجتماعي والمسؤولية الجماعية.
من قطرة دم إلى لعبة صغيرة، ومن لحظة واحدة إلى موجة كاملة، يثبت العطاء أنه لغة عالمية يمكن أن تنتشر بلا حدود، وأن كل فعل تقوم به، مهما كان بسيطًا، قادر على إشعال الأمل وبناء مجتمع متماسك.
وأخيرًا، تذكر أن العطاء من أقوى القوى في الكون. كلّما أعطيت أكثر، خلقتَ أكثر.
واختم بقول أبو حيان الأندلسي:
كَرِيمٌ مَتَى تَسْأَلُهُ شَيْئًا فَإِنَّهُ.. يَجُودُ وَيُعْطِي مَا تَشَاءُ وَيَنْتَقِي
وَلَوْ لَمْ تَسْأَلْهُ جَادَ بَدْءًا فَإِنَّمَا.. مَكَارِمُهُمْ خُلُقٌ بِغَيْرِ تَخَلُّقِ
raedaalsaba@gmail.com

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *