منذ سنوات طويلة، والجدل حول الحكم المحلي لا يتوقف، بل يكاد يكون من أكثر الملفات سخونة في الرياضة السعودية، واللافت أن الغالبية الساحقة من الجماهير الرياضية، بمختلف ميولها، تُفضّل الحكم الأجنبي على نظيره المحلي، حتى وإن كان الأخير أكثر خبرة بالملاعب السعودية وأجواء المنافسات المحلية.
والسؤال الكبير هنا: لماذا يتكرر هذا الرفض؟ وهل المشكلة في الحكم المحلي أم في البيئة التي تحيط به؟
هناك سببان رئيسيان يرتبطان ارتباطًا وثيقًا برفض غالبية الجماهير الرياضية للصافرة المحلية وهما:
أولاً: الفوارق في الكفاءة:
الحديث عن الفوارق في الكفاءة بين الحكم الأجنبي والمحلي ليس جديدًا، فالجماهير ترى أن الحكم الأجنبي أكثر ثقة، وأسرع في اتخاذ القرار، وأقل عرضة للتأثر بالضغوط النفسية والإعلامية والجماهيرية.
الحكم الأجنبي يأتي من بيئة مختلفة، يحمل في جعبته خبرة إدارة مباريات كبرى في بطولات أوروبية أو دولية، وبالتالي تكون قراراته أكثر جرأة وواقعية.
في المقابل، يُنظر إلى الحكم المحلي على أنه متردد، كثير الأخطاء، أو ربما متأثر بعوامل خارجية.
ثانياً: حساسية المنافسة وشدتها
كرة القدم السعودية تتميز بحدة المنافسة، والجماهيرية الضخمة، والتغطية الإعلامية المكثفة. كل مباراة بين فريقين كبيرين تتحول إلى قضية رأي عام، وكل قرار تحكيمي يصبح مادة للنقاش والسجال أيامًا وربما أسابيع.
هنا يظهر التخوف: هل الحكم المحلي قادر على الصمود أمام هذه الضغوط؟
البعض يظن أن ميوله الشخصية قد تطغى، حتى لو لم يظهر ذلك بوعي منه، لكن الحقيقة أن المهنية التحكيمية «إذا غابت» فهي ليست مجرد خطأ، بل خيانة للمهنة نفسها.
الكثير يتساءل اليوم: لماذا ارتفعت تكاليف استقدام الحكام الأجانب مقارنة بالسنوات الماضية؟ الجواب لا يحتاج إلى كثير تفكير؛ الهدف الأساسي هو تقليل الاعتماد عليهم ودفع الأندية إلى القبول بالحكم المحلي. فاستقدام حكم أجنبي اليوم لم يعد مجرد قرار عابر، بل أصبح عبئًا ماليًا كبيرًا على النادي أو على اتحاد الكرة، والغاية الواضحة هي أن يُترك المجال للحكم المحلي كي يثبت نفسه ويأخذ فرصته، لكن هذا يقودنا إلى سؤال أهم: ماذا فعلت لجنة الحكام لتأهيل الحكم المحلي ورفع كفاءته؟
فلا يمكن أن نطالب الأندية والجماهير بالصبر على الحكم المحلي، بينما لم تبذل الجهة المعنية الجهد الكافي لتطويره.
التحكيم ليس مجرد صافرة وركض في الملعب، بل منظومة متكاملة من التدريب النفسي، واللياقة البدنية، ومعرفة القوانين وتحديثاتها، واستخدام التقنية الحديثة مثل الـ «VAR» بكفاءة عالية.
إذا لم يجد الحكم المحلي برامج إعداد قوية، ومعسكرات خارجية، وتجارب فعلية في مباريات ذات مستوى عالٍ، فكيف له أن يواكب التطور؟ وكيف يثق به المشجع أو النادي؟
الخلاصة :
رفض الجماهير للحكم المحلي ليس مجرد «موضة» أو موقف عابر، بل هو نتيجة تراكمات لسنوات من الأخطاء، وضعف الثقة، وتقصير لجنة الحكام في صناعة جيل جديد من الصفوة.
الاعتماد على الأجنبي لن يستمر إلى الأبد، لكن البديل الحقيقي لا يأتي بالشعارات، بل بالعمل الجاد على تطوير الحكم المحلي حتى يصل إلى مستوى لا يُرفض بل يُطلب.
waleedbamrhool@gmail.com