يُشاع أن الحداثة تتصادم مع الدين، وكأن بينهما عداءً جوهريًا. لكن حين نعود إلى جوهر كلٍّ منهما، نكتشف أن العلاقة أعقد مما تبدو عليه.
الحداثة في أصلها ليست سوى دعوة لحرية التفكير، والاعتراف بكرامة الإنسان، ومنحه حق الفهم والاجتهاد. وهذه المبادئ ليست غريبة عن النصوص الدينية، بل نجدها حاضرة بوضوح.
القرآن يقول: «لا إكراه في الدين»، وهذه قاعدة لا تُفتح للتأويل، بل تضع حدًّا للفَرض والتسلّط باسم الإيمان.
وفي آية أخرى: «ولقد كرّمنا بني آدم»، وهذا التكريم لم يُقيَّد بشرط، بل جاء عامًا، يشمل كل إنسان.
الحداثة تدعو للتأمل، والدين كذلك. الحداثة تمنح العقل مكانته، والنص القرآني يُكرر: «أفلا تعقلون»، «أفلا يتفكرون». إذن، أين هو التعارض الحقيقي؟
ربما المشكلة لا تكمن في الحداثة أو الدين، بل في فهم كل منهما. الدين إذا جُمِّد، والحداثة إذا أُطلقت بلا وعي، كلاهما قد ينحرف. لذلك، فإن ما بعد الحداثة جاءت لتذكر الحداثي أن يراجع نفسه، وألا يجعل من العقل صنمًا، بل أداة للفهم، لا غاية للتسلّط، لأن ما بعد الحداثة تختلف عن الحداثة في رفضها اعتبار العقل المصدر الوحيد للمعرفة، ولأنها تُعيد إبراز الجوانب الأخرى في حياة الإنسان، كالقيم، والرموز، والهوية.
من هنا، أجد أنني أميل إلى بناء روحي بالحداثة، وأُزيّنها بما بعد الحداثة.
فالاثنتان ليستا عدوًّا للدين، بل قد تكونان امتدادًا له إذا أُحسن الفهم.
إن المتأمل في نصوص القرآن ومقارنتها بمبادئ الحداثة، سيرى أن الحداثة طبقت النص الديني بفهم جديد، يتطابق مع روح العصر. قد توجد اختلافات بسيطة، لكنها لا تنقض الأصل، بل تؤكد أن النص لا يخاف من الزمن، بل يسير معه بثقة.
abuhady.1@gmail.com