الأمان كلمة تعبّر عن احتياج إنساني، لا رفاهية، لأنها تحمل في طيّاتها ثقل العالم بأكمله، قد نراه في وقفة كلماتي حائرة، أمام حقيقة لم أذق طعمها قط: الأمان، لكن ماذا لو عفا عنا الزمن ونحن نبحث عنه دون أن نعثر عليه؟
أرى أن الأمان هو منطلق الإبداع والشجاعة؛ كيف للإنسان أن يدرك أنه مهما فعل، سيجد طريقًا يلجأ إليه، يحتضنه، ويغفر له هفواته؟ حين أشعر بالأمان، ينخفض صوت التشتت والتردد في داخلي، وتصبح الرؤية أكثر وضوحًا، والنفس أكثر عمقًا، كأن العالم بأسره صار محبًّا لي، وعندما أتأمل نجاحاتي، أرى في بؤرة عيني سكينة وهدوء يشبهان دفء الوجود.
لكنني حين أبحث في أعماقي، أواجه اعترافًا من نفسي: لم أعرف الأمان يومًا، بشتى أنواعه، أشعر بسخرية خفية كلما تذكرت لحظة شعرت فيها بالأمان، ويختفي الشعور أمام عيني قبل أن يكتمل، ورغم هذا، يظل بصيص الأمل خافتًا لكنه حاضر، يهمس لي بأن يومًا ما سأعرف معنى الاستقرار، أسير بخطواتي تائهة، أبحث عن معناه في وجوه البشر، في تفاصيل المواقف، وفي نجاحاتي الصغيرة، لكني لم أجده.
أردد لنفسي دائمًا: “إذا عرف السبب بطل العجب” ربما لهذا السبب لا أسمح لروحي أن تستسلم للسكينة يومًا؛ شعاري في الحياة التأهب، الحذر، والاستعداد للمفرّ، أرتاح للشدة لا للرخاء، وكأن حياتي كلها حالة طوارئ لا تهدأ.
ومع ذلك، أكتب عن الأمان لأني أتوق لمعرفة حاله، وأشتاق إليه رغم أني لم أعرفه يومًا.. كيف تكون الحياة حين يسكن الأمان فؤاد الإنسان؟ وهل يمكن أن يغير كل شيء بداخله، فيتلاشى الخوف، ويستوطن الأمان فؤاده، ويزرع الطمأنينة في روحه؟
إلى كل شخص يقرأ هذا المقال: ليشعر أنه مفهوم، له صوت مسموع، وله عالم ينتمي إليه، ويشعر بالأمان الذي طالما تمنّاه، ويبدأ هذا الأمان بداخله، من إحساسه بذاته، تذكر أن الشعور به يبدأ منك، من كل لحظة تمنح فيها نفسك الحق للشعور بالسلام الداخلي، حتى لو خُيل لك أن الأمان بعيد، فإن الرغبة في امتلاكه هي البداية الحقيقية لتذوق الحياة، والشعور بها، والاحتفاء بكل لحظة فيها.
shahadaljohani@gmail.com