في زمنٍ تتسارع فيه التكنولوجيا، وتُحاصرنا فيه الشاشات الصغيرة بألوانها المبهرة ومقاطعها القصيرة، بات الكتاب الورقي يقف أمام تحدٍّ صعب: كيف يحافظ على مكانته كرفيق دائم للإنسان في عصر السرعة؟ كيف نعيد للجيل الجديد متعة تقليب الصفحات، ودفء الحبر، وهدوء اللحظة التي تجمع القارئ مع كتابه بعيداً عن ضجيج العالم الرقمي؟
منذ أن خط الإنسان أول حرف، والكتاب هو الوعاء الذي حفظ ذاكرة البشرية. فبه ارتقت الأمم، وتقدمت الحضارات، وتأسست العلوم، وتشكّلت القيم. لم يكن الكتاب مجرد أوراقٍ مطبوعة، بل هو جليس يُؤنس الوحدة، ومرشد في رحلة البحث عن الحقيقة، ونافذة على عوالم بعيدة. واليوم، ما زال الكتاب ورقياً كان أو رقمياً يحمل هذا الدور الخالد، لكنه ينتظر من يفتح قلبه له وسط ضجيج العصر.
كثيرون ينظرون للتقنية الرقمية باعتبارها خصماً للكتاب، بينما الحقيقة أنها قد تكون جسراً جديداً للقراءة. فالمكتبات الرقمية والتطبيقات والكتب الصوتية جعلت ملايين الكتب بين يدي القارئ بضغطة زر.
المشكلة ليست في الوسيلة، بل في تنمية الرغبة، وإحياء الشغف، وإعادة تعريف القراءة لتواكب لغة الجيل الجديد. فالكتاب ليس منافساً للشاشة، بل يمكن أن يكون جزءاً من عالمها إذا أحسناً التوظيف.
التربية بالقدوة: حين يرى الطفل والديه يحملان كتاباً، يتعلم أن القراءة ليست واجباً مدرسياً بل أسلوب حياة. والدمج مع التقنية: عبر الكتب التفاعلية والتطبيقات الذكية التي تحول القراءة إلى رحلة ممتعة. والمبادرات المجتمعية: مثل نوادي القراءة والمكتبات العامة والأنشطة الثقافية التي تزرع القراءة عادة لا تزول . وكذلك ربط القراءة بالهوية: فالكتاب ليس فقط مصدر معرفة، بل وعاء للقيم، والجذور، والذاكرة الوطنية. والمدرسة والجامعة: حين تجعل من القراءة مشروعاً ممتداً، فإنها تُخرّج جيلاً يرى في الكتاب صديقاً لا غنى عنه. يكفي أن أول كلمة نزلت من السماء على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كانت: «اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ»، لتكون القراءة مفتاح النور وبداية الحضارة. فالقراءة رسالة، وسبيل لفهم الذات والآخر، وأداة لتشييد الغد المشرق.
القراءة في زمن الرقمنة ليست معركة بين الورق والشاشة، بل هي بحث عن التوازن بين الأصالة والمعاصرة. وإذا كان الجيل الجديد قد وُلد في عالم رقمي، فإن دورنا أن نعلّمه أن الكتاب ورقياً أو إلكترونياً هو البوصلة التي تحفظ للإنسان عقله ووعيه وكرامته.