وقفت شامخا بالعلم أمام أهمية وأبعاد تأثير المياه الجوفية على حاضرنا ومستقبل أجيالنا القادمة. لم أتجاهل. لم أتقاعس. لم أتعب. لم أكل. لم أمل. خطورة المسؤولية تحتم أن أكون بهمّة هذه المواصفات ومفعولها. نتيجة لذلك جاءت ثمرة قناعتي بأهميتها كرسالة مستدامة. جهزني الله لحملها توفيقا، وجهزت نفسي لحملها مسؤولية خلال العقود الأربعة الماضية.
عرفت بلاد الأحساء.. وإليها يعود الفضل. منها عرفت أهمية ومسؤولية المياه الجوفية. منها عرفت عمق مشكلة ومعنى نضوب المياه الجوفية. ولأني عايشت نضوب مياه عيون الأحساء أصبحت أكثر من غيري قراءة لمستقبل المياه الجوفية، وأكثر إدراكا بأهميتها حاضرا ومستقبلا. ولأني عرفت واحة الأحساء حق المعرفة، أصبحت ابنها البار المدافع عن مياهها.
من الأحساء انطلقت مدافعا عن مياهنا الجوفية كمورد وطني طبيعي لنا ولأجيالنا القادمة. من الأحساء لجأت إلى العلم لتشخيص مشكلة نضوب مياه عيونها الشهيرة والتاريخية. أيضا تحديد احتياجاتها. لهذا قصة.. قبل سردها تباعا، من المهم توضيح أن هذه العيون كانت حتى عام «1980» تدفق بالمياه الجوفية فوق سطح الأرض بأكثر من المترين. ثم بدأت مياهها تنحسر حتى توقفت تماما ولأول مرة في تاريخها مع نهاية «1989». كنت أول أكاديمي سجل علميا هذا النضوب، وثقته ببحث علمي.
زاد وقع هبوط مناسيب مياه عيون الاحساء حتى وصلت إلى أعماق تزيد عن الثلاثين مترا تحت سطح الأرض مع بداية عام 2000.
حالة قلق عشتها في تلك الفترات. تقاسمت مع أهل واحة الاحساء معاناتهم من هذا النضوب. سجلته في كتابي بعنوان: «الكارثة المغيبة نضوب مياه عيون واحة الأحساء». جاء عبرة لمن يعتبر، وإدانة لمن يتجاهل، وتحفيزا لمن يهتم بأمر مياهنا الجوفية.
جعلَت واحة الأحساء أمر المياه الجوفية عند كاتبكم مسؤولية بحقائق راسخة. جعلَتها عندي مشكلة كحقيقة الشمس في كبد السماء. شاهدت دموعا مسكوبة لمزارعين أضناهم واقع حال المياه. جعلوني أتنفس مسؤوليتها مع الهواء، وتجري في دمي علما وعملا وغيرة.
بعد تقاعدي تعاظم أمر المياه الجوفية في مسيرة حياتي. فأنجزت لها «10» كتب، وهناك أخرى قادمة. استثمرت وقتي لصالحها. ومع ذلك أعيش حالة شعور بتقصير لم يتوقف. أتساءل ماذا عنكم؟ كتبي عن المياه «12 كتاب».. بجانب واقع حال هذه المياه ومؤشراتها ينبئ بتقصير استراتيجي من الجميع.
أن تحمل رسالة لصالح الإنسانية فهذا يعني أن مهمتك في الحياة كمهمة الأنبياء والرسل. أن تحمل قضية.. فهذا يعني أنك في صراع مع التحديات والعقبات ومشاكلها. أن تحمل حلا لمشكلة.. فهذا يعني أنك تقود نفسك نحو حرب ضروس مع أصحاب المصالح والاجتهادات. انتصارك فيها انتصارا لكل متضرر مهدد بالعطش حتى وإن لم يولدوا بعد. هذا ما أشعر به وأعيشه دفاعا عن استدامة المياه الجوفية.
بهذا أسرد لكم تباعا قصتي مع الماء. كيف جاءت وتخلّقت. الأشياء قد تأتي صدفة، لكن القضايا لا تأتي صدفة. لابد لها من أساس تقوم عليه. المعايشة أهم محاورها. الإيمان بأهمية أي قضية يعطيها قوة، ويصبح الدفاع عنها رسالة حياة.
مع ندرة موارد المياه الطبيعية في بلدنا تصبح المياه الجوفية قضية حتى للذين لم يولدوا بعد. نحن حاضرهم نشكل مستقبلهم. ويستمر الحديث.
mgh7m@yahoo.com