هل تهتم بثقافة طفلك قبل سن المدرسة؟

انطلاقة العام الدراسي الجديد تشهد استئناف رحلة العلم والتعليم لمختلف المراحل والأعمار والتخصصات، وهناك من يخطو خطوته الأولى في هذا المشوار الطويل والشيق والشاق والممتع والمصيري.. الحديث هنا عن الطلبة المستجدين في المدارس بالمراحل التمهيدية ورياض الأطفال والابتدائي.. ولكن السؤال هل المشوار يبدأ فقط من هذه الخطوة؟ والاجابة على هذا السؤال لا يتم اختزالها بالنفي فقط بل يفترض ان نتعرف على أبعادها ومسارتاها التي تؤثر في مستقلهم.
تابعت دراسة نُشرت العام الماضي نمو رضع في عمر 6 أشهر، أظهرت نتائجها أن الأطفال الذين عاشوا في بيئة ثرية ثقافيًا، وتوفرت لهم فرص تعليمية وصحية جيدة، سجلوا نشاطًا دماغيًا أعلى وقدرات معرفية أفضل عند بلوغهم عمر 12 شهرًا مقارنة بأطفال في بيئات أقل.
وفي دراسة أخرى نُشرت عام 2020، تبيّن أن الأطفال الذين يتلقون دعمًا عاطفيًا وتفاعلات إيجابية من أسرهم في سنوات ما قبل المدرسة، يظهر لديهم نمو أكبر في منطقة الحُصين بالدماغ، وهي المسؤولة عن الذاكرة وتنظيم المشاعر؛ ما يؤثر إيجابيا على تعلمهم لاحقًا.
هذه النتائج ليست مجرد تفاصيل علمية، بل تنبيه بأن سنوات ما قبل المدرسة تمثل فرصة ذهبية لغرس الثقافة والمعرفة لدى الطفل؛ حيث يكون منحنى التعلم في أعلى مستوياته في السنوات الأولى، إلا أن المجتمع يوجه تركيزه عادةً إلى تحصيل طلاب المدارس، متناسيًا أن الجذور تُغرس قبل ذلك بوقت طويل.
غالبًا ما يُنظر إلى الطفولة المبكرة على أنها مرحلة “انتظار” للمدرسة، بينما هي في الحقيقة المرحلة الأكثر حساسية وخطورة. ففي الوقت الذي نترك فيه أطفالنا للشاشات، نخسر فرصة تكوين ذائقتهم وقيمهم الثقافية، ثم نتساءل لاحقًا عن ضعف شغفهم بالمعرفة أو تراجع انتمائهم للقراءة.
وتؤكد منظمة اليونسكو في تقريرها لعام 2025 أن الفترة من الميلاد وحتى سن الثامنة تمثل المرحلة الأشد حساسية لنمو الدماغ، ولغرس الهوية الثقافية والخيال والذوق، كما تشدد على أن الاستثمار في التعليم المبكر والتنشئة الثقافية يُعد من أنجح وأذكى الاستثمارات الوطنية، لما له من مردود طويل الأمد تربويًا واقتصاديًا واجتماعيًا.
إن ثقافة الطفل لا تُبنى في سن المراهقة، ولا تُختزل في المناهج الدراسية، بل تبدأ في حضن الأسرة، وتحتاج إلى سياسات مؤسسية واعية قبل سنوات المدرسة، نحن بحاجة إلى إعادة النظر في مفهوم تثقيف الطفل المبكر، بحيث نقدمه بطريقة تناسب عمره وحاجاته النمائية، حتى لا نترك الأجيال القادمة تواجه فراغًا ثقافيًا قد لا يُعوَّض.
alsharif_h@windowslive.com

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *