العودة للمدارس والإمام مالك

ها نحن قد عدنا إلى السنة الدراسة الجديدة «1447 هجري»، بعد إجازة صيفية سنوية قصيرة نسبيا! وهذه السنة مختلفة، حيث عاد الطلاب إلى نظام الفصليين بعد تجربة نظام الثلاثة فصول. وقد مضى الحديث عن الفرق بين النظامين في مقال سابق.
واليوم لنا مع هذه العودة السنوية إلى مقاعد الدراسة عدة وقفات منها: أن البدايات في غالب هي ثقيلة على النفوس، ولكن مع الوقت تصبح عادة، وروتين يومي بالنسبة إلى الطلبة. وبناء عادة يومية «مثل: حل الواجبات أولا بأول، مراجعة رؤوس أقلام المادة المشروحة وغيرها» له تأثير قوي على المدى البعيد، بل هي قد تكون أقوى صفة للمتفوقين والمتميزين على مستوى الدراسي وحتى المهني، والحياة بشكل عام. ويمكن الرجوع إلى كتاب «قوة العادة» لتشارلز دويج فهو نافع ومفيد في هذا الجانب.
ثانيا: من المهم جدا ملازمة الطلاب المتفوقين منذ البداية، لأنها تختصر عليك الكثير من الجهد، حيث أنك ستبدأ من حيث انتهاء الآخرون. وأيضا «الصاحب ساحب» كما جاء في الأمثال.
ثالثا: من حسنات العودة للمدرسة انتظام النوم، والذي يعد أمرا مهما خصوصا في مراحل الطفولة والشباب. بل أيضا انتظام للروتين المنزلي، والذي كان متقلبا ومضطربا خلال الإجازة الصيفية. وتنظيم الوقت سر لا يعرف قيمته وقدره إلا الناجحون. ولما سُئل غازي القصيبي -رحمه الله- كيف استطعت أن تجمع بين أن تكون: وزيرا، وشاعرا، وروائيا، وكاتبا، وأديبا، فقال باختصار: تنظيم الوقت.
رابعا: من الدروس المهمة في العودة للمدرسة، أننا نعود أنفسنا، بل نجبرها على أمور لا نحبها ولا نهواها من أجل الغاية المنشودة، والتي قد لا يدركها الغالبية من الطلاب إلا بعد فوات العمر! وأفضل جملة لوصفة هذه النقطة المهمة، مقولة: أننا نقاوم ما نحب، ونتحمل ما نكره! وعلى أساس هذه العبارة، سار الناجحون، وبرز المتفوقون.
خامسا: الأصل في التعلم الجهد والتعب، فلا يوجد طريق مختصر للنجاح، ولا وصفة سحرية. والمثل المشهور على الألسنة: من جد ووجد، ومن زرع حصد، لم يأتي من فراغ، بل جاء من قلوب وعقول اجتهدت وتعبت لسنوات طوال. وصدق ابن القيم -رحمه الله- حين قال: لا راحة لمن لا تعب له.
سادسا: الفهم أهم من الحفظ، ولكن حفظ الأساسيات عن ظهر قلب لا بد منه! لفهم الدروس والمحاضرات والنظريات، ولأداء الواجبات والاختبارات.
سابعا: التربية والأدب جزء لا يتجزأ من التعليم. وأذكر مما قرأت أن عبدالله بن وهب تلميذ الأمام مالك قال: صاحبت الإمام مالك عشرون سنة، تعلمت منه العلم في سنة، وتعلمت الأدب في تسعة عشرة سنة، ويا ليتها كانت كلها في الأدب.
ثامنا: في مراحل التعليم المختلفة الوقت كثير، والفراغ متوفر، والمسؤوليات قليلة، ولكن حين ندلف إلى الحياة المهنية والأسرية فإن العكس هو الصحيح «الفراغ قليل، والمسؤوليات كثيرة». فالبناء في البدايات أفضل وأسهل وأمتع.
تاسعا: لو استقبلتُ من أمري ما استدبرت، لكنت استفدت من كل الإجازات الصيفية التي مرت علي في حياتي، أما بحضور دورات أو عمل جزئي أو دراسة صيفية، لأنها كانت سوف تختزل علي الكثير من العناء لاحقا.
وختاما: كل ما ذكرته سابقا لم يأتي خبط عشواء، ولا من أجل التنظير! ولكن العاقل من يستفيد من خبرة الآخرين، لأنها تختصر عليه السنوات والمسافات.
abdullahalghannam@hotmail.com

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *