وقال القحوم: “منذ البداية قيل لنا إن جمهور جدة مختلف، ولذلك حرصنا أن نحضر لهم كل شيء مختلف. أخذنا وقتًا جيدًا في التحضيرات، وكنا سعداء جدًا أن نقف لأول مرة على مسرح عبادي الجوهر، هذا المسرح العريق الذي مثل قيمة كبيرة لنا، كما أسعدنا أن تكون حفلتنا الثانية في المملكة مع شركة بنش مارك، التي اعتبرناها شريكًا أساسيًا في نجاحنا”.
التراث بروح جديدة
وأضاف: “حين استمعتم إلى المقطوعات وجدتم أن الجمل التراثية البسيطة التي يعرفها الجمهور تحولت إلى مقطوعات موسيقية متكاملة دخلت فيها الأوركسترا بشكل منسجم جدًا، وهذا كان الإبهار الحقيقي في مشروعنا، أن نجعل التراث يتنفس بروح جديدة دون أن يفقد أصالته”.
وأشار القحوم إلى أن هذه التوليفة لم تنحصر في حدود حضرموت فقط، بل امتدت في مسارها الفني إلى الكويت، حيث انتقلت التوحيدة الحضرمية قبل عقود وأصبحت جزءًا من المشهد الغنائي هناك.
وقال: “هذه التوحيدة نُقلت إلى الكويت واشتهرت بما عُرف لديهم بالكسرة بإيقاع الدمبق، وأصبحت ركنًا أصيلًا في الحفلات والمجالس الفنية. ذلك الامتداد عكس عمق الترابط الفني بين حضرموت والكويت، وأكد أن الموسيقى قادرة على العبور بالهوية إلى فضاءات أوسع”.
وأوضح أن الفن الكويتي احتضن هذا اللون وطورّه بطريقته الخاصة حتى صار علامة مميزة في الخليج.
وأضاف: “أعدنا تقديم هذه الألوان بروح أوركسترالية جعلتها أقرب إلى الأذن العالمية مع الحفاظ على أصالتها، وهذا في حد ذاته كان تكريمًا لدور الكويت في حفظ هذا التراث ونشره، كما أنه برهن على أن مشروع الأوركسترا الحضرمية لم يكن مشروعًا محليًا فقط، بل كان مشروعًا خليجيًا بروح عربية أصيلة”.
نقل الثقافة الموسيقية
وأشار إلى أن المهمة كانت صعبة أحيانًا، فالجملة التراثية القصيرة التي لم تتجاوز بضع ثوانٍ تحولت إلى عمل موسيقي متكامل ومقبول، وهو ما تطلّب دراسة وصناعة مدروسة وسلسة، وكان الأهم أن يتقبله الجمهور في النهاية.
وأكد القحوم أن إشراك الجمهور في الحفلات شكّل جزءًا أساسيًا من هوية الأوركسترا الحضرمية، حيث سعى الفريق إلى كسر الحاجز التقليدي بين المسرح والجمهور، قائلاً: “مشروعنا لم يكن أوركسترا كلاسيكية تقليدية تلتزم بالقواعد الجامدة، بل حاولنا أن نكسر تلك الفجوة، وأن نجعل الجمهور يشاركنا الغناء والتصفيق، ويشعر أنه جزء من المقطوعة الموسيقية. وقد شاهدتم كيف تفاعل الجمهور مع بعض الأغاني، وكيف طلبنا منهم التصفيق أو الترديد في لحظات معينة، وهذه الإستراتيجية كانت جزءًا من كسر الحاجز وبناء علاقة مباشرة مع الناس”.
وأضاف أن حفلة جدة تضمنت مفاجآت فنية خاصة، وقال: “قدمنا عشر مقطوعات جديدة لأول مرة في جدة، وهذا كان رقمًا كبيرًا بالنسبة لأي حفلة، إضافة إلى إعادة صياغة بعض المقطوعات القديمة بشكل جديد. لقد وضعنا كل ما لدينا من طاقة وإبداع في تلك الليلة، ولذلك اعتبرتُ أن هذه الحفلة مثلت محطة مهمة جدًا في مسيرتنا”.
وأوضح القحوم أن المشروع منذ بدايته وجد دعمًا سعوديًا كبيرًا، معتبرًا أنه كان مشروعًا سعوديًا بامتياز، وقال: “اعتبرنا أنفسنا جزءًا من هذا البلد، وكان شرفًا لنا أن نحظى بدعم الجمهور السعودي، وقد عملنا سابقًا مع وزارة الثقافة في إحدى الحفلات، وتطلعنا إلى فرص تعاون أكبر مستقبلًا، سواء مع الوزارة أو مع مؤسسات ثقافية أخرى، لأننا رأينا في المملكة حاضنة حقيقية لهذا المشروع”.
واختتم القحوم حديثه برسالة إلى الجمهور قائلاً: “كل ما قدمناه من أعمال جديدة وقديمة كان رسالة محبة لكم. كنا ممتنين لكل الدعم والتشجيع الذي وجدناه دائمًا من جمهور جدة، ووثقنا أن تفاعلكم سيكون أجمل مما تصورنا، لأن جمهور جدة كان دائمًا عنوانًا للتميز والإبداع”.