أحد أصدقائي الكرام أمثالكم محب لوالديه كثيرا، نعم كثيرا. والده الكبير سنا وقدرا، رجل يختصر أحرف الكلام ولكن تلك الأحرف ثقيلة بالمعنى، كل معنىً منها أحد دروس الحياة، من شدة بره واحترامه لوالده لا يظهره في مقطع مصور إلا لثوانٍ معدودة وسريعه بشكله اللائق والوقور ليذكر زبدة هذا الدرس، فيتولى صديقي تقديم الفكرة وصياغتها ومقدمتها ويترك الأهم لوالده تقديرا وإجلالاً له وحفظا لحقه.
لمّا سأله الكثيرون لماذا لا تُظهر والدك لوقت أطول فقال والدي نفسه ليس هو المحتوى فبره علي يتوجب حفظ هيبته في كل وقت.
كم تمنيت ممن يملؤون الفضاء ضجيجا بمحتوىً يظهر والديهم صوتا أو صورة في مختلف الحالات أن يتعلموا من هذا البطل كيف جعل المشاهد يستفيد منهم. فهذا هو الأهم لوالده قدرا وهيبة، فلم يظهره لمجرد السواليف والإستعراض والضحك والتنكيت ولا حتى المزاح مع من حوله، قد يقول البعض تلك حرية شخصية خصوصا إذا كان الوالدين راضيين بذلك. وأقول أن الوالدين أعز وأكرم من أن يكونا أداة لجذب المشاهدات وملئ الساحات فهما أسمى من ذلك بسنوات ضوئية.
الوالدين هما خارج كل الحسابات مهما كانت، فالحفاظ على صورتهما وهيبتهما وعظِم قدرهما أهم حساب على الإطلاق، لست ضد إطلالة سريعة بنصح أو إرشاد، ولكن أن يتحولا إلى فكرة وسيناريو وحوار للمحتوى فإني أنا شخصيا أراه عقوقا واضحا، وهذا رأيي أنا لم أسمعه من أحد ولم أستفت صاحب علم ولا شيخ ولكني أراه إن لم يكن عقوقا شرعيا فهو عقوق أدبي. يا سادتي الوالدين هما الهيبة وهما الخجل الجميل والصورة الكاملة البهية المشرقة بصمتها قبل حديثها. كثيرون ممن يتصدرون المحتويات عُرفوا بوالديهم أكثر من أنفسهم إما «بسواليف» يومية تكون في كل بيت وما شابهها حتى أصبحت بضاعة كاسدة غير جاذبة.
لست متشائما بالمطلق لأن هناك نماذج نفخر بها كالمتخصصين بالمحتوى التقني وتوضيح ما يستجد للناس وكذلك المتخصصين بالتجارة الإلكترونية وطرق الشحن، وكذلك المؤرخين وأصحاب الأفكار الإيجابية وغيرهم الكثير لكنهم وبكل أسف قلة مقابل الكم الهائل من المحتوى السطحي وأصحابه وصاحباته.
مقطع تافه من أحدهم قد يملأ الدنيا ضجيجا ويتصدر المشهد، بينما عندنا فتيان وفتيات رفعوا راية الوطن في عدة محافل لم يملأون الدنيا ضجيجا مثل تافهي المحتوى.
majid_alsuhaimi@hotmail.com