عندما أتذكر سيرة ماض عشته، أجد الله هيأني، وأعدّني لتحمل مسؤولية قضية المياه الجوفية. مع هذا الادعاء يأتي السؤال الذي أطرحه على نفسي بغرض التأمل لشحذ الهمّة المستدامة: لماذا.. وكيف؟ هذا يقود إلى سؤال آخر: هل نملك حق اختيار خط مسيرة حياتنا؟ أعتقد بذلك.
نحن ننجذب من خلال تساؤلات وميض الأشياء أمامنا. يحملنا فضولنا لتفعيل طاقتنا نحوها. نعيش حياة ذلك الانجذاب ومجالاته. الله هو الذي يهيئ ذلك الوميض وليس نحن. هو صيد ننجذب إليه. نصيده بالتساؤلات، فنتغذى عليه.. فيصبح هو خط مسيرة حياتنا.
بسبب التساؤلات وخليط أبعادها، تشكلت نواة اهتمام قاد شخصي نحو قضيتي المياه الجوفية. عملت بجهد استثنائي، ومثابرة تتعاظم، وإيمان يتعمق. فجاءت دوامة تركيزي. بسببها.. ومعها.. وبها فردت أشرعتي، وأبحرت في عمق مجال قوتها.
تظل الأسئلة: لماذا.. وكيف؟ محرك قوي لكشف الأجوبة. بها يقوى اهتمام الانسان. هي أدواتي لاقتحام المجهول اللغز الذي أسعى لتوضيح إجابته لكم، في هذه السلسلة من المقالات.
الأجوبة دوما تحمل الدروس والعبر. تقود نحو نشوة توثيقها. هكذا وقعت في قبضتها، فأصبح هدفي ثقافي لزيادة مساحة الوعي بأهمية المياه الجوفية حاضرا ومستقبلا. يحدث هذا في غياب قدرتي على اتخاذ القرار.
صنعت مفتاح قضية المياه الجوفية الثقافي. جاء نتيجة وقوفي على أبعاد ندرة المياه الطبيعية في بلدنا، حفظها الله. سر مبهم لاحت أبعاده لشخصي في أحد مراحل حياتي. تعاظمت مساحته كما وكيفا مع معرفتي العلمية الشاملة بهذه الندرة ومعاناتها. العجيب أن شخصي واجهها وجها لوجه في مرحلة أخرى من العمر.
في هذه المرحلة من السرد.. أدعوكم لتقفوا أمام حالة استثنائية على مستوى العالم. حالة تعيشها بلدنا عبر الأزمان. معرفتها ضرورة وليس ترفا. معرفتها إنقاذا لمستقبل أجيالنا من العطش. هذه الحالة تدعونا نحن أهل هذه البلاد السعودية.. أن نقف خلف المياه الجوفية بنوعيها المتجدد وغير المتجدد. لن أدعكم تبحرون بعيدا بتفكيركم.
في بلدنا السعودية: إن المياه الجوفية تقف وحيدة في مواجهة الوفاء باحتياجات أكثر من «2» مليون كيلومتر مربع من الأرض، ومن عليها من البشر، وشركاء الحياة. حقيقة مفجعة تحمل القلق المشروع. إن معظم المياه الجوفية الاحفورية ناضبة، أي غير متجددة. الباقي المتجدد من المياه يتعرض للاستنزاف بما يفوق التعويض بعشر مرات.
نعم.. أكثر من «2» مليون كيلومتر مربع من الأرض.. هي مساحة بلدنا السعودية، دام عزها. تحتل الرقم «13» كأكبر الدول مساحة في العالم. لكنها أكبر دولة خالية من الأنهار والبحيرات. حقائق تغيب عن عامة الناس. أليس لهذا الغياب ثمن؟
وبعد.. أليست هذه المعلومات البسيطة كافية لحمل المياه الجوفية كقضية لكل مواطن؟ أليست هذه المعلومات البسيطة كافية لتجعل النوم يجفل من العيون؟ أليست هذه المعلومات البسيطة كافية لجعل المياه الجوفية خط أحمر.
قلت يوما: الماء يبحث عن إدارة، فوضعتها عنوانا لأحد كتبي. وقلت: نحن لم نرث هذه المياه الجوفية لكننا مستأمنين عليها حتى للأجيال التي لم تولد بعد، فأقول لأهميتها: المياه الجوفية تبحث عن وزارة مستقلة تفرض تنميتها، وحمايتها، وترشيد استخدامها.
هكذا أقنعت نفسي بأهمية المياه الجوفية الوحيدة المتاحة أمامنا ولأجيالنا القادمة بشكل طبيعي. ويستمر الحديث.
mgh7m@yahoo.com