في بيئة العمل الحديثة تعتبر المسؤولية الفردية والمؤسسية ركيزتين أساسيتين لتحقيق التميز المؤسسي، بالاضافة لتعزيز ثقافة العمل القائمة على النزاهة والشفافية، وهذا الموضوع يعتبر من أهم المواضيع الإدارية التي تحرص عليها أي منظمة تستهدف تحسين بيئتها الداخلية وترفع من مستويات تميزها، وفي هذا المقال سأتطرق للفرق بين الركيزتين وأثرهم على منظومة العمل.
هناك عبارة عميقة المعنى إدارياً وهي «لا يمكن لأي منظمة أن تزدهر بأفراد غير مسؤولين، ولا يمكن للأفراد أن يقدموا أفضل ما لديهم في منظمة غير داعمة أو غير عادلة»، وهذه العبارة توضح أهمية العلاقة بين الموظف الفرد والمنظمة التي يعمل بها، فنجاح أي منظمة مرهون بتحقيق التوازن بين مسؤولية الموظف الفرد تجاه عمله وتطويره لذاته، ومسؤولية المنظمة في توفير البيئة الداعمة والعادلة التي تُمكن وتُحفز الموظفين العاملين لديها.
المسؤولية الفردية بشكل مختصر هي إلتزام الموظف «الفرد» بأداء مهامه الوظيفية المحددة بكفاءة وشفافية وتحمل نتائج أفعاله وقراراته، بالإضافة لسعيه المستمر للتطوير الذاتي مهنياً، وهي ترتبط بشكل مباشر بأخلاقيات الفرد ونزاهته وضميره المهني، ويتم قياسها بشكل مباشر ومنفصل للفرد عن فريق العمل. أما المسؤولية المؤسسية فهي إلتزام المنظمة بتطبيق مبادئ الحوكمة والمساءلة والتحفيز لضمان بيئة عمل عادلة وآمنة فيها مساواة بدون أي تحيز، سواء كان ذلك مع العاملين والعملاء والمجتمع، وتعتبر هذه المسؤولية كالثقافة المؤسسية.
العلاقة بين المسؤولية الفردية والمسؤولية المؤسسية علاقة تكاملية، فالمسؤولية الفردية هي الأساس في بناء المسؤولية المؤسسية، والمسؤولية المؤسسية تُشجِّع وتحمي المسؤولية الفردية داخل المنظمة، فعلى سبيل المثال؛ عندما تضع المنظمة أنظمة عادلة وواضحة للتحفيز والمساءلة، وتوفر بيئة آمنة للإبلاغ عن أي أخطاء أو تجاوزات، فإنها تشجع الأفراد على تحمُّل مسؤولياتهم دون خوف، ويشعر الموظف بالأمان والطمأنينة عندما يقتنع بأن جهوده ستُقدّر بشكل عادل.
ارتفاع مستوى المسؤولية له أثر كبير على تعزيز «الأداء والشفافية» داخل بيئة العمل، بالإضافة لإستقرار المنظمات وتعزيز سمعتها التجارية، ومن الأمثلة على ذلك فيما يخص تعزيز الأداء «بناء الثقة داخل فرق العمل، خفض معدلات الاخطاء مما يؤدي لخفض التكلفة، تعزيز المبادرات والابتكار»، ومن الأمثلة لأثر المسؤولية على تعزيز الشفافية داخل بيئة العمل «تعزيز مصداقية المنظمة داخلياً وخارجياً، خلق بيئة آمنة للاعتراف بالأخطاء، تسهيل الحصول على المعلومات»، أما فيما يخص استقرار المنظمة وسمعتها، فكلما زادت مستويات المسؤولية داخل المنظمة سيساهم ذلك في جذب المواهب والاحتفاظ بها مما يضمن استقرارها ونجاحها.
المنظمة في عدالتها ودعمها للموظفين يعتبر ذلك استثمار في العقول والطاقات البشرية، واستثمار الفرد في التزامه وتطويره الذاتي يعتبر استثمار في مستقبله المهني، وبشكل مختصر عندما يرى الموظف في المنظمة بيته الثاني، ترى المنظمة فيه أغلى استثماراتها.
ختاماً؛ المسؤولية بشكل عام ليست شعارًا لترديده دون تطبيق فعلي وحقيقي داخل بيئة العمل، وعندما تلتقي إرادة الموظف في العطاء الذاتي مع إرادة المنظمة في التمكين، سينتج من ذلك ثقافة عمل يكون فيها الرضا والإنتاجية والولاء والانتماء هو السمة السائدة، وهذا التكامل «الفردي والمؤسسي» يولد بيئة عمل صحية ومنتجة.
مستشار موارد بشرية
khaled@econsult.com.sa