هذا الأسبوع، وبينما كنت أبحث في فضاء الشبكة العنكبوتية عن معلومات أو شمعة تضيء المزيد من المدارك وتغني الفضول وتروي عطش المعرفة وتلهم لكتابة مقالات جديدة.. وقعت عيناي على مقطع تحدث عن تساؤل وجدته جديراً بالاهتمام.. وهو حول تسمية الموقع الجغرافي الذي تقع به دول كثيرة «الشرق الأوسط، وكان السؤال يبدو بسيطًا جداً ولكن الإجابة عليه ليست كذلك وهو: «الشرق الأوسط… أوسطُ ماذا؟ وبالنسبة لمن؟». شخصياً هذا السؤال أثار فضولي، فذهبت لأبدأ رحلة البحث عن هذا الاسم أو المصطلح.. من صاغ الاسم؟ ولماذا أصبح جزءًا من وعينا اليومي؟
توصلت إلى حقيقة أو سمها معلومة على أبسط تقدير بأن المصطلح ليس توصيفًا بريئًا.. فنحن نعود إلى العام 1902، حين استخدم الضابط الأمريكي ألفريد ماهان عبارة -Middle East- في مقال عن الخليج العربي، مركزًا على أهميته الاستراتيجية لطريق بريطانيا إلى الهند. لاحقًا، نشر الصحفي البريطاني فالنتاين تشيرول المصطلح في الصحف وكتبه، ثم أصبح رسميًا في التسميات العسكرية البريطانية خلال الحرب العالمية الثانية، ومن هنا إنتقل إلى الإعلام والخرائط والجامعات، حتى صار مألوفًا بين الناس.
قبل ذلك، كانت أوروبا تستخدم مصطلح «الشرق الأدنى» للإشارة إلى أراضي الدولة العثمانية وضفاف المتوسط الشرقية. ومع مطلع القرن العشرين، حلَّ «الشرق الأوسط» تدريجيًا محل المصطلح القديم، ضامًا شمال أفريقيا وغرب آسيا، رغم أن الحدود تتغير حسب من ينظر.
الفكرة الجوهرية هنا، هي أن الأسماء ليست بريئة.. هي تحمل رسائل وقناعات من يحاول تمريرها.. حين نستخدم «الشرق الأوسط»، نعيد إنتاج إطار تم صياغته وفق أهداف معينة، وليست كما يبدو إنها وصف محايد للمكان.. البدائل ممكنة، مثل غرب آسيا وشمال إفريقيا، وهي أكثر حيادية وتعكس موقعنا الحقيقي.
المطلوب ليس رفض المصطلح، بل وعي السياق التاريخي.. أن نضع بجانبه نجمة تقول: «هذا اسم وُلِد في سياق معين».. أن ندرك الأبعاد التي تصاحب الكثير من الجمل والمصطلحات التي تمر أمام أعيننا حين نقرأ الصحف او نستمع إلى نشرات الأخبار.. وعندها فقط يمكن لنا أن ندرك أن «الشرق» هو موقعنا نحن، لا «وسط» أحد آخر.. اللغة تشكّل وعينا وهويتنا، وفهمها يعيد ترتيب علاقتنا بالمكان والتاريخ.
pbthdw@gmail.com