موضة كتابة الرواية!

هل صار حتما وواجبا على الكاتب أو الأديب أو الصحفي أن يكتب ولو رواية يتيمة قبل أن يموت؟! وسبب سؤالي أو استفساري، أن كتابة الروايات أصبح أمرا منتشرا جدا، وبشكل ملفت للنظر. ولعل البعض منهم يكتب رواية وحيدة كيفما أتفق ليقال: الروائي فلان أو الروائية فلانة، أو ليقول أثناء حديثه: وصدر لي مؤخرا رواية باسم كذا!
والواقع أن كتابة الرواية موهبة، لأن ابتكار الشخصيات، والحوار والسرد والخيال، وعرضه بأسلوب أدبي رفيع ورصين لا يتأتى لكل أحد. ومن تجربتي الشخصية حاولت كتابة رواية وأخرى منذ سنوات ولم أوفق بعد! نعم قد بدأت بها، ولكن بقيت حبيسة الأدراج إلى أن يشاء الله. والسبب الرئيسي بالنسبة لي، أني حتى الآن لم أجد المتعة والشغف الذي أجده في كتابة المقال! ولا يمكن أبدا قياس المسألة على تجربتي الشخصية، لأن القضية تحتاج دراسة واستقصاء، ولكن موجة أو موضة كتابة الرواية، هي في انتشار واسع.
ولا بد من القول، أن من حسناتها زيادة عدد القراء، ومنها أن مع الكثرة ستخرج لنا عدت روايات رصينة ذات عيار ثقيل، وهذه النوعية من الروايات تحتاج إلى صبر وصبر، ثم صبر، لأنها قد تأخذ سنوات من الجهد والتنقيح! من أجل أن تصبح رواية مؤثرة في قلوب الناس، وفي عقول النقاد. وخذ مثلا: رواية «الحرب والسلام» للمؤلف الروسي تولستوي والتي استغرقت كتابتها «6» سنوات. والرواية الشهيرة جدا «ذهب مع الريح» أخذت من مؤلفتها عشر سنوات من التعب! طبعا طول الوقت قد يشمل الانقطاعات المتباعدة بسبب الفتور أحيانا أو الانشغال بالحياة! ولكن العمل المبدع لا بد فيه من التعب والجهد. ومما أذكر أن رواية «العجوز والبحر» التي فاز صاحبها بجائزة نوبل، أعاد كتابتها أكثر من «38» مرة!!
وأنا هنا لست أثبط أحدا عن المحاولة الجادة، ولكن سمعت في لقاء مرة أن الكاتب والأديب غازي القصيبي -رحمه الله- قد قال: لا يوجد وصفة سحرية للنجاح، النجاح الحقيقي الباقي ليس له وسيلة سوى العمل الشاق. ولعلي أضيف أن المنطق يقول لنا، لو كان النجاح سهلا لكان الناس كلهموا ناجحون ومتميزون وبارعون. ولا بد من التنويه إلى أن الفرقعة الإعلامية أو الشهرة السريعة ليست مقياس.
ومما أذكر أيضا أن أنيس منصور «كان في شبابه يلقب بالعقاد الصغير لكثرة ملازمته له»، كان يقول: أن العقاد له رواية واحدة يتيمة اسمها «سارة»، وكنا نقول له أنها ليست رواية بالمعنى الكامل، بل هي قصة أو تحليل لشخصية معينةـ وكان العقاد يغضب من هذا الرأي، لأنه كان يعتبرها رواية مكتملة الأركان؟! وهذا يؤكد على مسألة أن كل ميسر لموهبته، فالعقاد المفكر والأديب والشاعر لعله لم يستطيع أو بالأصح لم يجد الشغف الداخلي لكتابة الرواية، مع أنه قد كتب أكثر من «15000» صفحة هي مجموع أعماله كاملة.
فالمقصود، أنه لا ينبغي للكاتب أو الأديب أن يقحم نفسه في مجال لا يجد فيه الشغف، ولا تميل له موهبته، فقد قيل: من تحدث في غير فنه جاء بالعجائب! ومع هذا ممكن أن يحاول المرء، ولكن من دون تعسف، أو كالذي يتجرع الدواء المر! والشاعر يقول: ذا لم تستطع أمرا فدعه.. وجاوزه إلى ما تستطيع.
وللمعلومية، فإن موهبتك ستظهر بسهولة ويسر في مجالك، الذي قد يكون كتابة المقال، أو القصة القصيرة، أو الشعر الملحمي أو في مجال النقد أو ربما في مجال التنظير والفكر.
abdullahalghannam@hotmail.com

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *