منذ مارس 2023 أعلنت الهيئة العامة للعقار عن بدء دراسة شاملة للحد من ارتفاع الإيجارات، وهو إعلان أثار حينها تطلعات كبيرة في سوق يمس حياة ملايين المواطنين والمستثمرين.
غير أن مرور أكثر من عامين ونصف دون صدور نتائج أو بيانات توضيحية حول تلك الدراسة، خلق فراغا معلوماتيا ينعكس على استقرار السوق، فالإيجارات ليست ملفا يمكن إدارته بالصمت أو الانتظار، بل تحتاج إلى وضوح وشفافية توفر للسوق ما يضمن التوازن والثقة.
وأنا اليوم لن أكتفي بالانتظار، وسأعرض تجارب عالمية نجحت في ضبط الإيجارات وتحقيق التوازن بين حق المالك وقدرة المستأجر، مع حلول قابلة للتطبيق محليا، لبناء سوق مستقر وعادل.
سوق الإيجارات السكنية يشكل أحد أكثر القطاعات تأثيرا على الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي في أي دولة، وفي المملكة، يظل ملف الإيجارات محط اهتمام واسع، نظرا لارتباطه المباشر بجودة الحياة وتكلفة المعيشة.
اليوم يمر حوالي 30 شهرا على إعلان الهيئة العامة للعقار عن إطلاق دراسة للحد من ارتفاع الإيجارات، ورغم أهمية هذا الإعلان وما حمله من تطلعات، إلا أن مرور هذه المدة الطويلة دون نشر نتائج ملموسة أو بيانات توضيحية، خلق فراغا معلوماتيا في سوق حيوي يمس ملايين الأسر
والمستثمرين، وإن إدارة هذا الملف بالصمت لا يمكن أن توفر الاستقرار المطلوب، إذ أن الأسواق لا تبنى على الترقب، بل على المعلومة الدقيقة وفي وقتها.
من الخطأ اختزال استقرار سوق الإيجارات في توازن العرض والطلب وحده، إذ أثبتت التجارب العالمية أن المنظومة التشريعية والتنظيمية المتكاملة هي الركيزة الحقيقية للاستقرار، وأن هذه المنظومة يجب أن توازن بين ثلاثة أبعاد متداخلة تتمثل في كفاءة العرض عبر توفير وحدات متنوعة وكافية، عدالة العائد لضمان استدامة استثمارات الملاك والمطورين، وحماية المستهلك من الأعباء المفرطة، بما يضمن جودة الحياة.
تجارب عالمية ناجحة
سأستعرض هنا عدة نماذج دولية نجحت في إدارة ملف سوق الإيجارات باقتدار، أبرزها:
*سنغافورة التي رفعت المعروض بمشاريع إسكان استراتيجية، وقدمت قروضا لتجديد الوحدات، فحققت استقرارا في الإيجارات رغم النمو السكاني المتسارع.
*ألمانيا، حيث اعتمدت مبدأ (السعر المرجعي للإيجارات ) على مستوى المدن، وربطت أي زيادة بمتوسط عادل، مع تحفيز الاستثمار والتطوير، مما أدى إلى بناء سوق متزن لا يرهق المستأجر ولا يضر بعائد المستثمر.
*نيوزيلندا، حددت اشتراطات منها أن يقابل أي ارتفاع في الإيجار تحسينات فعلية في العقار، فارتبطت الزيادة بالقيمة الحقيقية للسكن وجودته.
هذه التجارب أظهرت أن ضبط الإيجارات لا يعني تعطيل الاستثمار، انما صياغة آليات ذكية تحقق التوازن بين حقوق الملاك وحقوق المستأجرين.
الرسالة للسوق السعودي
الدرس المستفاد هو أن معالجة ملف الإيجارات تتطلب سياسة متكاملة، لا مجرد قرارات جزئية. سياسة تقوم على زيادة المعروض السكني، تحسين جودة المساكن، وربط أي زيادات بالقيمة الحقيقية للوحدة السكنية.
بهذا الشكل، يصبح ضبط الإيجارات رافدا للنمو الاقتصادي، ومكونا أساسيا لتحقيق مستهدفات رؤية السعودية 2030 في جودة الحياة.
إن السوق المتوازن هو الذي يحمي المستأجر، ويكافئ المالك، ويعزز ثقة المستثمر، هذه المعادلة لا تتحقق بالصدفة، وإنما عبر سياسة إسكانية رشيدة، قائمة على الشفافية والمعلومة الدقيقة والآليات القابلة للتنفيذ.
ما أود التأكيد عليه أن السوق العقاري لا يدار بالصمت، إنما بالحصول على المعلومة الدقيقة، وفي حينها.