أكتب هذه المقالة اليوم، ويتملكني شعور ببالغ الأسف والحزن، لأنني أكتب عن ظاهرة تتكرر في مجتمعنا، وتزداد خطورتها يومًا بعد يوم، وهي الإسراف والتبذير في مناسبات الزواج والولائم العامة والخاصة.
لقد مرّ بنا جميعًا زمن صعب أثناء جائحة كورونا، حين تقلّصت الاجتماعات، واقتصرت المناسبات على عدد محدود من المدعوين، فخفّت حينها مظاهر البذخ، وانحسر شيء من الإسراف، وظننا أن الناس قد وعَوا الدرس وأدركوا قيمة النعمة. ولكن سرعان ما عادت الحال إلى ما كانت عليه، بل ربما أسوأ، حيث نرى بأعيننا أطنانًا من الطعام تُلقى في النفايات، ومفاطيح كاملة تُرمى بلا مبالاة، وكأننا لا نخشى حسابًا ولا عقابًا.
إن هذا المشهد ليس مجرد سلوك فردي عابر، بل هو قضية مجتمعية وأخلاقية تستدعي وقفة جادة. فالله تعالى يقول: «وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ»، ويقول أيضًا: «إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ». فأي عقوبة أكبر من أن يوصَف المبذر بأنه قرين الشيطان؟
عزيزي من تقرأ هذه السطور، إن من الواجب على الأشخاص المعنيين بالتوعية والنصح الإجتماعي، أن يقوموا بتفعيل بدورهم في توعية الناس بهذه الظاهرة على وجه التحديد، والتصدي لها حيث بلغت مرحلة مقلقة، وذلك في سبيل حمايةً النعم من الزوال، وصونًا لمكانة مجتمعنا الذي طالما عُرف بالكرم، لكن الكرم غير الإسراف، والجود غير التبذير.
لقد عاش أجدادنا قبل عقود قاسية في زمن القحط والمجاعة، وكانوا يفتقدون أبسط مقومات الحياة. فكيف لا نتعظ بما مرّ عليهم، ونحن اليوم نرمي ما كانوا يحلمون به؟ إن النعمة إن لم تُشكر زالت، وإن لم تُصن رُفعت.
إنني وأنا أكتب هذه الكلمات، أستحضر قول الله تعالى:
«وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً ۖ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَاب» -الأنفال: 25-.
فلنقف جميعًا أمام هذه الظاهرة، ولنكن قدوةً في الاعتدال، حفاظًا على نعم الله، وصونًا لمكانة هذا الوطن الذي نحبه ونرجو له الخير.
والله من وراء القصد.
abs0021@gmail.com