قبل أن تبرد قهوة العصر

على الطاولة الصغيرة في ركن الصالة، كانت أكواب القهوة الأربعة موضوعةكما اعتادوا في طفولتهم. المقاعد نفسها، الضوء نفسه، ورائحة البن الذيكانت تملأ البيت كل عصر. لكن شيئًا ما كان مختلفًا… مقعد فارغ، لا يملؤهأحد، وغياب أثقل من الصمت.

جلس الإخوة الثلاثة، ينظر كل منهم إلى فنجانه دون أن يجرؤ على رفع عينيه. في الأفق القريب، كان يتردّد في عقولهم المشهد الذي لن يُمحى: هاتف يرن،صوت متقطع يختنق بالبكاء، وجملة واحدة غيرت كل شيء:

رحل الأخ المحب الحنون… رحل صاحب المواقف الطيبة… رحل صاحبالضحكة الجميلة والقلب الحاني.

لقد جدد فقده، غياب صوت الأم الحنون الذي كان يضفي على البيت سكونًاوهدوءًا، ومكانة الأبُّ الذي كان يجمعهم تحت جناحيه، ومعهما تسرّبتالخلافات حتى مزّقت ما بينهم. كبرياء لا معنى له، سوء فهم تضخّم، وخصامطال حتى صار عادة.

الآن، لم يتبقَّ سوى ذكريات تطل من زوايا البيت:

تذكّرت أخته الكبرى كيف كان يصرّ على مشاركتها قطعة الحلوى حتى لو لميتبقَّ لديه إلا نصفها.

وتذكّر أخوه كيف كان يدافع عنه عندما يتعرض له أحد الأشخاص بالشتم أوالعراك، واقفًا أمامه كجدار لا ينكسر، أما أخته الصغرى، فتذكّرت كيف كانيسارع لشراء احتياجاتها إذا رفض أخاه الآخر ذلك، بابتسامة مطمئنة تقول: أنا موجود من أجلك.

كل تلك اللحظات كانت هناك، لكنها دُفنت تحت ركام الزعل والعناد، حتى جاءالموت ليكشف هشاشة كل تلك الجدران، في تلك الجِلسة، بقيت القهوة تبردشيئًا فشيئًا، حتى صار طعمها مرًّا في أفواههم، تمامًا كمرارة الندم الذيتسلل إلى قلوبهم. وكل منهم يردد في داخله: ليتنا لم نقاطعه… ليتنا لم نزعلمنه…. لكن الأماني لا تعيد من غاب.

إلى كل من خاصم أخًا أو ابتعد عن أخت، اعلم أنه لا تزل لديك الفرصة… قبل أن تعض يد الندم على فراق لا يعود وجرح لا يلتئم. لا تنتظر مكالمةالحزن لتذكّرك بما كان يجب أن تفعله منذ زمن. اتصل، أرسل رسالة، أو امشِالمسافة بينكما، حتى ولو كانت شاقة، وتعامل مع عثرات الأخوة والأخوات كماتعامل معها نبي الله يوسف عليه السلام (لا تثريب عليكم اليوم يغفر اللهُ ليولكم)

قبل أن تبرد قهوة العصر الذي كانت تجمعنا… صافح، سامح، وصِل

قال الشاعر:

وما المرء إلا بإخوانه

كما تقبض الكف بالمعصم

ولا خير في الكف مقطوعة

ولا خير في الساعد الأجذم

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *