كان الإمام مالك بن أنس – صاحب المذهب المالكي – يدرس كعادته في المسجد، وبينما كان الطلاب منهمكون في الدرس، جاءهم خبر عن وجود فيل في المدينة المنورة والناس – وقتها – لم يكونوا يعرفون الفيل، فهب الطلاب وتركوا مالكًا وحصته؛ لمشاهدة الحدث الضخم.. لم يبق إلا طالب واحد اسمه «يحيى بن يحيى الليثي»، فقال له مالك: ِلم لم تذهب؟ هل رأيت الفيل قبل ذلك؟
قال يحيى: لا.. لكني رحلتُ لأرى مالكاً لا لأرى الفيل!
أعجب بجوابه مالك وسماه: عاقل الأندلس، وخصه مالك برعايته حتى صار أشهر طلابه.
في كل زمان ومكان الطلاب هم الطلاب، يملون الدرس، ويهوون الفراغ وينشدون التسلية، يتطلعون للحياة خارج الفصل، يؤنسهم الخروج ويغمهم الدخول للمدرسة.
والطلاب ليسوا سواءً.. هناك طلاب ذوو همم عالية، شديدو التركيز، متقنون للدرس، يتطلعون للمعرفة بشغف، وهم يمثلون «القليل» في المدارس، وفي المقابل هناك طلاب يهوون الكسل الذهني ويتوخون الراحة.
في عصرنا اليوم، صار البيت أكثر تفضيلًا على المدرسة، الألعاب الإلكترونية جاذبيتها أكثر.. الطالب بات يحترف الألعاب الإلكترونية أكثر من دروس الرياضيات والحساب.
الجوال الذي بين يديك اليوم هو قناتك التليفزيونية، ومصحفك الشريف، وكهف عزلتك، ومكتبة بحوثك ومطالعاتك، وبه عملك أو جزء كبير من عملك.. الجوال جامعتك التي تدرس بها، وصحيفتك التي تقرأها، وقاعة اجتماعاتك، وحتى خدمات المؤسسات الحكومية وغير الحكومية تتم من وعبر الجوال.
عن طريق الجوال بإمكان الإنسان تعلم أي لغة تستهويه، وبإمكانه اتقان تجويد القرآن، وهناك حسابات وتطبيقات تشرح للطالب المناهج حبة حبة، وأخرى تلخص الكتب وتحولها إلى مقروءة أو مسموعة وثالثة تعلمك مهارات الرسم والكتابة.. لكن فقط تحتاج إلى إنسان حريص ونبيه.
كم نسبة من يستفيدون من هذا الفتح التقني والمعلوماتي العظيم؟ وكم عدد «دقائق» الجد أمام «ساعات» اللهو والتسلية التي يخصصها الإنسان مع الجوال؟؟ ليس عندي إحصائية عن نسبة المستفيدين من تطبيقات الجوال.. لكنني أزعم أنها قليلة وأقل من القليلة هذا حتى على مستوى الكبار حينما أرى اختياراتهم، فهم يختارون برامج التسلية، والمقاطع الهزلية والطريفة ويفضلونها على المقاطع الجادة والعلمية.
وأخيراً..
حال الطلاب بل وحال الناس اليوم مع التقنية بكل صرعاتها وصراعاتها ووسائلها أشبه بحال طلاب الإمام مالك مع «الفيل».. فقط اختلف الزمان وتغيرت الوسيلة لا أقل ولا أكثر.
قفلة:
في عصر التقنية اليوم «دقائق» العلم والمعرفة أثقل من «ساعات» اللهو.
alomary2008@gmail.com