اللامبالاة

success.1997@hotmail.com
البرود الذي يتسلل إلى الروح، ويُطفئ جذوة التفاعل مع ما يدور حولنا، سواء كان خيرًا يستحق الامتنان، أو شرًا يستدعي الرفض.

اللامبالاة ليست مجرد غياب اهتمام، بل حالة شعورية أعمق مما يبدو على السطح.

هي حين لا يفرح المرء لفرح، لا يحزن لحزن، وكأن قلبه اختار أن يُغلق نوافذه على العالم.

في بداياتها، قد تبدو اللامبالاة كوسيلةٍ لحماية النفس من الألم، كدرعٍ ضد الخيبات المتكررة أو خيانات الحياة المتتالية.

بعض الناس لا يولدون غير مبالين، بل يُدفعون إليها دفعًا. يتراكم التعب، ينهكهم الشعور المستمر، فيصبح الصمت خيارهم الأول للمواجهة، ويصبح البرود أهون من الانكسار.

المؤسف أن اللامبالاة لا تتوقف عند حدودها.

إنها حالة تسري ببطء، تغلق باب التعاطف، تعطل الحافز، وتخمد الشغف.

فمن لا يُبالي اليوم بسقوط ورقة، قد لا يُبالي غدًا بسقوط حلم، أو سقوط إنسان.

وقد تصبح اللامبالاة، إن استقرت في القلب طويلًا، مرضًا يصعب علاجه.

فلا صراخ يهزّ صاحبها، ولا دمعة تحركه. ينظر إلى كل شيء بنفس العين الجامدة، وكأن الحياة أصبحت عرضًا لا يعنيه، يُشاهد من مقعد بعيد، دون أن يفكر حتى بالتصفيق أو الانسحاب.

ورغم قسوتها، فإن في داخل كل لا مبالٍ نداء صامت

ربما نسيه هو نفسه. نداء للحياة، للشعور، للتفاعل، للأمل.

فربما لا يحتاج اللامبالي سوى يد صادقة، تمتد إليه دون ضغط، تُعيد إليه معنى الاهتمام، وتوقظ فيه ما خدرته التجارب.

اللامبالاة ليست ضعفًا دائمًا، لكنها أيضًا ليست قوة.

هي لحظة ضياع بين الشعور واللاشعور، بين أن تكون موجودًا، وبين أن تمرّ مرور العابرين.

وحده الوعي بها هو أول طريق العودة إلى الذات، إلى الحياة، وإلى الآخرين.

لكن الوعي وحده لا يكفي، ما لم يصاحبه قرار بالعودة.

عودة بطيئة، لكنها صادقة. خطوة صغيرة نحو الشعور، نحو التفاتة حقيقية للعالم من حولنا. فربما يبدأ الأمر بابتسامة تُمنَح بلا سبب، أو بسؤال يُطرح من باب الاهتمام، أو حتى بنظرة تُقال فيها أشياء لا تُقال بالكلمات.

اللامبالاة لا تُشفى بالضجيج، بل تُرمم بالصمت الذي يحمل نيةً صافية، وبالدفء الذي لا يفرض نفسه، بل يتسلل كما يفعل ضوء الصباح خلف ستائر الغرفة.

إن منحنا أنفسنا فرصة لنشعر مرة أخرى، دون خوف من الانكسار أو خيبة جديدة، نكون قد بدأنا أولى خطوات العودة إلى الحياة.

فالحياة ليست دائمًا عادلة، لكنها تمضي، وتمنحنا في كل يوم احتمالًا جديدًا للشعور، للتغيير، للبدء من جديد.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *