اليوم تقل عدد المكتبات وتتكاثر المطاعم والمقاهي، اليوم من يقرأ الكتاب الورقي؟! اليوم دور النشر تشتكي من مبيعات الكتب، وبالتالي قلة الطباعة!
اليوم طلاب الجامعات بعضهم لا يعرف حتى كتاب المقرر، وإذا طُلب منه الكتاب تساءل: ألا يوجد نسخة الكترونية؟!
أين المكتبة التي كانت جزءاً من كل بيت حتى كان البعض يضع مجسمات كتب ليبين ثقافته واطلاعه؟!
بغض النظر عن كون الحضارات ارتبطت بالكتاب، وفي عصور الضعف كان أو ما يحرق هو الكتب، إلا أن مثل هذه التساؤلات موجودة ويكثر قائلوها ومناصروها، ومع الأسف فهم الأعلى صوتاً، والبعض يسعى للإقناع بها، فهل هي الصواب لأنها الأعلى صوتاً والأكثر ارتباطاً بتطورات العصر، وعلى من يطالب ببقاء الكتاب الورقي أن يستسلم. أبداً ليس هذا الصواب، ولن يكون، لماذا؟
أولاً: لأن لكل وسيلة مستخدموها، ولا يمكن أن نحكم على وسيلة بالاعدام، هذا هو المذياع ظهرت جميع الوسائل وأحدثها ولا زال له متابعوه، وهكذا الكتاب مع الفارق الكبير بين الكتاب والمذياع، من ناحية المحتوى ومدة البقاء.
ثانياً: الكتاب كوسيلة علمية أبقى في الذاكرة، ولذلك الطالب الجامعي والساعي لتطوير ثقافته الذي يراجع من الأجهزة لن تبقى المعلومة في عقله كثيراً ولن يكون لها حضور المعلومة المأخوذة من الكتاب الورقي، ولذلك يُنصح الطالب حتى ولو ذاكر من الجهاز أن يلخص وأن يطبع ما لديه ويرسم خرائط ذهنية تساعده في بقاء المعلومة وترسيخها، دراسة آن مانجين، أثبتت أن القراءة من الكتب الورقية تعزز الفهم العميق والقدرة على التذكر أكثر من القراءة على الشاشات.
ثالثاُ: الكتاب وسيلة موحِدة لا مشتتة، فإذا أخذت الكتاب أنت تقرأ فقط، بينما الأجهزة الحديثة تشتت، فبدايتها قراءة ثم إبحار في مواقع التواصل، وهذا ما أكدته دراسة نيكول كار في كتابه «السطحيون: ما الذي تفعله شبكة الإنترنت بعقولنا» حيث أظهرت أن القراءة عبر الإنترنت تضعف التركيز العميق وتُجزّئ الانتباه.
رابعاً: وجود المكتبة في البيت وسيلة تربوية للأبناء، حين ينشأ الأبناء وأمامهم مكتبة والديهم وفيها الكتب، وبعضها كتبه التي درسها وما سجل عليها من ملاحظات، وفي هذا بيئة علمية محفزة للأبناء والبنات.
الكتاب ليس مجرد أوراق تُطبع، بل هو هوية وذاكرة وحارس للمعرفة.
ومن يتنازل عن الكتاب الورقي كمن يتنازل عن إرثه الحضاري لصخب اللحظة العابرة. ولذلك لا تبتعدوا عن المكتبة، ولا تتوقفوا عن دعمها، فهي بكم ولكم.
aldabaan@hotmail.com