جزء من الجنة

في نهار يزينه الأمل، انطلقنا نحو المدينة المنوّرة، وفي الطريق باغتنا المطر، وكأن السماء تشاركنا فرحتنا، تغسل الطرقات وتبارك خطانا، كان المشهد لوحة لا توصف؛ قطرات المطر تطرق النوافذ، والهواء مشبع بعبق الأرض المبتلة، والقلوب ترفرف شوقًا للوصول إلى مدينة المصطفى -صلى الله عليه وسلم-.
وحين دخلنا حدود المدينة، باغتني شعور غريب من الراحة والسكينة، إحساس لم أعرفه من قبل. الطرقات نظيفة، والوجوه مشرقة بابتسامة صادقة، وأهل المدينة يستقبلونك بترحيب دافئ يفيض أدبًا وكرمًا، حتى تكاد تظن أنهم يعرفونك منذ زمن، تشعر أن روح الأخوة والإيثار تسكن المكان.
تساءلت بيني وبين نفسي: كيف كان شعور النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم وطئت قدماه هذه الأرض الطيبة واستقبله أهلها بالمحبة والوفاء؟
اتجهنا إلى المسجد النبوي، حيث يختلط التاريخ بالروحانية، كان الدخول إلى باحته أشبه بعبور بوابة إلى عالم آخر؛ أصوات التلاوة العذبة، صفوف المصلين المنتظمة، والشعور بالسكينة والهدوء يغمرك رغم الزحام الكبير، وكأن المكان يحتضن الجميع بطمأنينة لا يبددها عدد ولا حركة.
اللحظة الأسمى كانت حين دخلت الروضة الشريفة، تلك البقعة المباركة التي أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم: «ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة»، هناك، وأنا على مقربة من الحبيب المصطفى -صلى الله عليه وسلم-، شعرت وكأنني أعيش خارج حدود الدنيا، في حضرة نورانية تغمر الروح وتغسل الهموم، الأرض مفروشة بالسجاد الأخضر، والروح معلّقة بالسماء، والدعاء ينساب من القلب قبل اللسان.
شعرت وكأن الجنة أطلّت عليّ بوجهها الوضاء، تمنحني نفحة من نعيمها في وسط الروضة الشريفة، قلت بخشوع يملأ القلب: السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته والسلام على صاحبيك وخليفتيك أبي بكر وعمر بن الخطاب- رضي الله عنهما- أطلقت دعائي وقلبـي مفعم بالرجاء، أرفع كفّي إلى الله وأتمتم: اللهم اجعلني من أهل شفاعته، واحشرني في زمرته، وارزقني اتباع سنته. كانت الكلمات تخرج من أعماقي بصدق، وكأنها تحلق مع أنفاسي، تصعد إلى السماء محمولة على أجنحة الأمل، علّها تنال القبول في هذا المقام الطاهر بقرب رسول الله.
ومع مغادرتي المدينة المنوّرة، بقيت في قلبي آثار الرحلة وروحانياتها العميقة، شعور السكينة والطمأنينة، وحسن استقبال أهلها، وقرب الحبيب صلى الله عليه وسلم في الروضة الشريفة، ترك في نفسي أثرًا لا يُمحى، أدركت أن زيارة هذا المكان ليست مجرد رحلة، بل تجربة تُغرس في الروح معاني الإيمان والمحبة والخشوع، وتمنح الإنسان شعورًا بالسلام الداخلي لا يعادله شيء في الدنيا، حقًا، لمن وطأت قدماه أرض المدينة المنورة وشرب من نفحات روحانيتها، فقد لمس جزءًا من الجنة، واحتفظ بذكرى تبقى معه مدى الحياة.
Hinenx777@gmail.com

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *