التعليم السعودي والمستقبل التنافسي

يُعد التعليم أحد الركائز الرئيسية لصناعة التنمية الوطنية من خلال عنايته بصناعة الكفاءات والقدرات الوطنية؛ والقيادة الحكيمة -أيدها الله تعالى- تحرص على العناية والاهتمام به بإشراف مباشر ومتابعة دقيقة من عرّاب الرؤية وباني نهضة الوطن سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود-يحفظه الله- .
لقد أوضح جانباً من ذلك وزير التعليم يوسف البنيان، خلال حديثه عن مستقبل التعليم السعودي وصياغته بصورة تنافسية عالمية بمؤتمر التواصل الحكومي، ومن خلال قراءة تحليلية لما تضمنه حديثه، يتضح ارتكاز المرحلة القادمة للتعليم على ثلاثة مرتكزات رئيسية وفق ثلاث ممكنات تنفيذية لصناعة نظام تعليمي منافس على المستوى العالمي بما يحويه من تجارب تعليمية مميزة وكفاءات بشرية نوعية ونفقات تشغيلية منافسة وبكفاءة وجودة عالية.
يرتكز مستقبل التعليم على العناية بالقيم والهوية الوطنية باعتبارهما صنوان لا ينفكان، ووجهان لعملة واحدة، فالقيم بما تحمله من معتقدات وتصورات تمثل البوصلة الأخلاقية الموجهة لسلوك الإنسان تجاه ذاته، وتعزيز ولائه وانتمائه وافتخاره بمقدرات مجتمعه ووطنه المادية والبشرية والتاريخية واللغوية والحضارية والثقافية وغيرها، وحمايته من الذوبان في الثقافات العالمية العابرة للقارات، وتحصينه من التحديات الأيدولوجية التي تشهدها الساحة الإقليمية والعالمية. وإيماناً من الرؤية الوطنية بأهمية ذلك أُطلق برنامج تنمية القدرات البشرية الوطنية والذي يهدف إلى تعزيز القيم والشخصية الوطنية وبهذا يُبنى جيل واعٍ مؤهل للنهضة ومنافس عالمي باقتدار يجمع بين الأصالة والمعاصرة، ويملك الأدوات لمواجهة التحديات المعاصرة مع الحفاظ على جذوره وانتماءه.
ويرتكز مستقبل التعليم على بناء القدرات وتنمية المهارات باعتبارهما الأيقونة الأساسية في دفع عجلة الاقتصاد وتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة، حيث تتنافس دول العالم المتقدم على توجيه بوصلة التعليم نحو المهارة والقدرة والخبرة باعتبارها البوابة الأوسع للمستقبل الاقتصادي والرقمي وجودة حياة الأفراد والمجتمعات. وتمثل المعارف الأساسية القاعدة الصلبة لبناء وتطوير المهارات العقلية وتوظيفها في المواقف الحياتية اليومية كالتفكير الناقد والتحليلي والتصميمي وغيرها، وصقل المهارات الحياتية كمهارات التواصل الاجتماعي، والعمل الجماعي، وإدارة الوقت وغيرها، والمهارات المهنية كالتدريب العملي المرتبط بسوق العمل ومتطلباته.
ويرتكز كذلك على الابتكار والإبداع وخصوصاً في ظل ظهور الاقتصاد الريادي بالمملكة، ومحاولة صناعة الأثر وتعميقه واستدامته من خلال ترجمة المعارف النظرية إلى منتجات وخدمات اقتصادية تسهم في الاقتصاد الوطني عبر الشركات الاستثمارية الناشئة. إن المتابع اليوم للساحة العالمية يلحظ تميز المواطن والمواطنة السعوديين وامتلاكهما للممكنات الابتكارية في شتى المجالات الرقمية والثقافية والاجتماعية والتي هي بحاجة ماسة للإعداد المهني والممارسة التطبيقية من خلال المؤسسات التعليمية ذاتها بنشر وصناعة ثقافة الابتكار داخل أروقتها باعتباره فرصة للتغيير والتطوير لا باعتباره فرصة للتهديد، فالابتكار اليوم لم يعد كلمة شائعة ترددها الألسن وإنما هو الخيار الأوحد للقطاعات أو الدخول في عالم الفناء والاضمحلال.
ولا يمكن لتلك المرتكزات أن تتحقق من خلال ممكنات ثلاث هي المعلم المؤهل علمياً ومهارياً ونفسياً لكونه المعني ببناء شخصية المتعلم وتحفيزها وتشجيعها نحو التعلم، وإدراكاً من وزارة التعليم لأهمية تم إطلاق المعهد الوطني للتطوير المهني التعليمي واعتباره المسؤول الأول على إعداد المعلم بالتعاون مع شركائه من كليات التربية بالجامعات السعودية، وكذلك العناية بالمنهج التعليمي وصياغته برؤية تجمع بين الأصالة والمعاصرة، وتثري التجربة الشخصية، وتوسع المدارك العقلية، وتسهم في بناء التصورات الصحيحة الإيجابية بقالب رقمي ممتع ومشوق، وكذلك تأهيل البيئة التعليمية بمكوناتها المادية لكونها مصنع قادة المستقبل، وميدان تشارك الخبرات، وإثراء التجارب، والمحضن الآمن لبناء الشخصية الوطنية المعتدلة المعتزة بدينها ثم بقيادتها ووطنها.
وأخيراً، فالخطاب الوزاري تضمن عدد من الفرص المواتية لمشاركة القطاع غير الربحي بجمعياته المهتمة بالقيم وتنميتها وتعزيزها، وبتصميم البرامج التعليمية وتنفيذها، وبتطوير المعلمين والمعلمات ورفع الكفاءة المهنية لديهم، والميدان يتسع للعاملين الصادقين متى توفرت الرغبة والشغف والاحتراف في الأداء.
malwadai@kku.edu.sa

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *