يشهد قطاع الاندماج والاستحواذ M&A في السعودية تحولاً جوهريًا، مدفوعًا برؤية 2030 التي تمثل خارطة طريق لتعزيز التنويع الاقتصادي وتطوير القطاع الخاص, هذه الرؤية أعادت تشكيل البيئة الاستثمارية عبر إصلاحات تشريعية وتنظيمية وسياسات ومبادرات تحفيزية، كذلك ما يتم من تفعيل دور صندوق الاستثمار العام (Public Investment Fund – PIF) كعنصر فاعل في إحداث التغيير الاقتصادي المنشود, خاصة ونحن نواكب منذ خمس سنوات ماضية, جهوزية السوق وتحقق عوامل النمو, مما يجعل من نشاط الاندماج والاستحواذ نشاطا فعالا, وهذا يقودنا لطرح السؤال الاتي: هل وصل هذا النشاط إلى المستوى المطلوب لتحقيق الأهداف المرجوة؟
لا بد ونحن نجيب على السؤال أعلاه, أن نطلع على بعض المحددات والمشاهدات التي تشكل أسس نجاح قطاع M&A, وعلى سبيل المثال لا الحصر لدينا مؤشرات الأداء التي سجلت في العام المنصرم 2024 في السعودية ارتفاعا في عدد صفقات M&A بنسبة 55٪ سنويًا، لتصل قيمة الصفقات إلى 9.6 مليار دولار, مع الأخذ بعين الاعتبار أن عدد الصفقات الكلي في منطقة الشرق الأوسط (MENA) في العام ذاته 701 صفقة بقيمة 92.3 مليار دولار, السعودية وحدها نسبة 26٪ من إجمالي نشاط M&A , كذلك تم تسجيل ما نسبته 80% من طلبات الاندماج والاستحواذ في الربع الأول من العام 2025 التي تضمنت كيانات أجنبية استثمارية, وهذا يعد دليل على أن حجم التوسّع Cross‑Border: آخذ في الازدياد, حيث سجل القطاع الصناعي النشاط الأكثر بنسبة 25% والقطاع التكنولوجي 20% فيما شكل القطاع التجاري ما نسبته 14%, هذا التنوع يؤكد أن جوهر رؤية المملكة 2030 في تنويع مصادر النشاط الاقتصادي العام, قد بدأ بالتحقق والثبات على منهجية الديمومة وتحقق الربحية والتوسع, من العوامل الأخرى الرئيسية أيضا التي أنتجتها مسيرة رؤية 2030 وساهمت في نمو وتطور قطاع الاندماج والاستحواذ في المملكة, تعزيز البنية التنظيمية (Regulatory Framework) التي شكلت قواعد عملية قابلة للتطبيق والاهم قابليتها للتوقع, كذلك عامل تطور إرشادات المراجعة المحدثة (Revised Merger Guidelines) التي تساهم بشكل فعال في رفع مستويات الشفافية, أيضا ارتفعت نسبة الطلب على خدمات التامين على المخاطر Transactional Risk Insurance بنسبة 78٪ في 2024.
لننتقل الآن لتناول عوامل تنفيذية, واهمها على الإطلاق هو أدوات القدرة الاستثمارية التي يمتلكها صندوق الاستثمارات العامة PIF, حيث يمتلك PIF أصولًا تزيد قيمتها على 900 مليار دولار، ويستثمر في قطاعات الطاقة المتجددة، التكنولوجيا، الترفيه، والرعاية الصحية, هذه الاستثمارات تستهدف بناء قطاعات ذات قيمة مضافة عالية وتشمل التكنولوجيا المتقدمة وتوطين الابتكار, وبناء عليه فان قطاع M&A يجد بيئة خصبة للنمو والتوسع والتنوع, لان مثل هذه الاستثمارات تؤدي الى حدوث تفاعل وحركة حقيقية ينتج عنها عمليات الاستحواذ والاندماج, وكما أسلفنا فان تطور البيئة التنظيمية والتشريعية التي يتواكب معها شروط ومحددات للاستفادة من هذه الاستثمارات الهائلة, والتي تحتاج الى مراحل زمنية وتكاليف عالية لتحقيقها, مما يجعل من خيارات الاندماج والاستحواذ هي الأمثل والأسرع والأكثر نجاحا, وينتج عنها صفقات استراتيجية بارزة, والدليل على ذلك أنه في عام 2024، وافقت الهيئة العامة للمنافسة على 202 طلب اندماج واستحواذ, مما يجعله الرقم الأعلى في تاريخ السعودية, ومن اهم واكبر هذه الصفقات على سبيل المثال: استحواذ PIF على حصة في منصة البث الرياضية DAZN بمليار دولار, كذلك التعاون بين معادنMa’aden و PIF للاستحواذ على حصة في منجم نحاس وزنك في زامبيا.
قطاع M&A يواجه عددا من التحديات, والتي تتنوع بين التحديات المرتكزة على السيولة النقدية وتوفرها, وتحديات مواكبة سرعة التنفيذ والإجراء, وكذلك تحديات النواتج القانونية والمنازعات, ورغم ما حققته السعودية من نمو وارتفاع الإيرادات غير النفطية, إلا أنه ما زال للعوائد النفطية تأثير كبير, وبالتالي فان تقلبات أسعار النفط يؤثر على عمليات تمويل الصفقات الكبرى وتحققها, ويواجه هذه التحديات مميزات, من هذه المميزات هو وجود الفرص الاستثمارية التي تناسب كافة القطاعات وكافة أحجام الشركات, خاصة مؤخرا ما شهدناه من انفتاح على قطاعات نوعية جديدة مثل Advanced Technology., كذلك ما يتم من دعم الشركات العائلية والشركات الصغيرة والمتوسطة, التي تشكل أساس عمليات الاندماج والاستحواذ, مدعومة بتطور كبير في سوق رأس المال السعودي, وانتقاله من فترة رأس المال المجمع الى مرحلة رأس المال الموزع,
نعود للسؤال الرئيسي الذي طرحناه أعلاه: هل وصلنا إلى المستوى المطلوب؟
لا يمكن أن تكون الإجابة بنعم أو لا, الطموح والرغبة والقدرة تجعل من الإجابة بـ لا أمر ضروريا, وأيضا الطموح والرغبة والقدرة تجعل الإجابة بـ نعم أمرا مستحيلا, فالسعودية تمضي في طريقها الصحيح، بفضل القوة التنظيمية ودور PIF كمحرك استراتيجي, بحيث أن بلوغ المستوى المطلوب يصبح أمرا من الصعوبة بمكان, لان المستوى المطلوب مع ما يحدث من نمو وتطورات جيوسياسية, هو مستوى قابل للارتفاع مع كل خطة ورؤية جديدة, مما يتطلب استمرار التركيز على القطاعات الحيوية، تسريع الإصلاحات، وتعزيز قدرات الشركات المحلية, وبنفس الوقت المزيد من إثراء البيئة الاستثمارية, وجعلها بيئة قابلة وقادرة للخروج خارج الاطار الجغرافي الاقتصادي السعودي.