في المسلسل المصري «حسبة عمري»، تطرح الدراما موضوعًا واقعيًا بامتياز: امرأة وقفت بجانب زوجها لسنوات، تسانده، وتدبّر، وتصبر، وتبني معه بيتًا وثروة ومستقبلًا، ثم تُفاجأ عند مفترق طرق الحياة بأنها أصبحت وحيدة، بلا سند، وربما بلا حق معترف به.
هذا المشهد الذي نراه على الشاشة ليس خيالًا، بل هو مرآة لقصص كثيرة تتكرر في الواقع… تختلف التفاصيل، لكن النهاية واحدة: أن شراكة المرأة في بناء حياة الرجل لا تجد لها مكانًا في حسابات ما بعد الطلاق.
التمكين الذي يمس طبيعة المرأة الفسيولوجية والنفسية يبدأ من بيتها، ومن علاقتها بمن يُفترض أنه أقرب الناس إليها، الزوج. فالزواج، في أصله، ميثاق غليظ نص عليه القرآن، يقوم على المودة والرحمة، ويحمل مسؤولية العدل عند الوصل وعند الفُرقة.
المرأة حين تدخل هذا الميثاق لا تفكر غالبًا بحسابات مادية أو استثمارية، بل بدافع الحب والوفاء والإيمان بالشراكة. وهي تُعطي من جهدها، ووقتها، ومالها، وذوقها، وتدبيرها، بل ومن صحتها ونفسها عبر الحمل والولادة والرضاعة والتربية… دون أن تطلب مقابلاً أو توثّق عطاءها.
لكن حين تنتهي هذه العلاقة، لأي سبب، تُفاجأ المرأة – وخاصة العاملة أو ربة المنزل التي ساهمت في تأسيس الحياة – بأنها في موقف ضعف، لا يُعترف بما قدمت، ولا يُقدَّر ما بذلت في علاقة لم تكن صفقة، بل شراكة. وكأن الوفاء غفلة، وكأن النية الطيبة ضعف.
هذا الواقع لا يمس المرأة وحدها، بل يهز ثقة الأجيال بمفهوم الزواج. اليوم، نرى فتيات يُقبلن على الزواج بشروط صارمة، وضمانات مكتوبة، واحترازات مالية. ليس بدافع المادية، بل خوفًا من تكرار تجارب أمهاتهن ومعارفهن اللواتي خرجن من زواج طويل بلا حق ولا سكن ولا حتى كلمة وفاء.
في حالات كثيرة، تكون الزوجة قد ساهمت في شراء بيت الزوجية أو تأثيثه أو تسديد ديونه أو دفع أقساط تعليم الأبناء، وكل ذلك من راتبها أو مدخراتها أو حتى بجهدها وتدبيرها، لكنها لا تملك ما يثبت ذلك، لأنها لم تكن تفكر بمنطق الإثبات، بل بمنطق الشراكة. ثم، عند الطلاق، يُقال لها إن البيت ليس باسمها، وإن ما قدمته كان «بدافع شخصي»، وإنها «لا تستحق شيئًا»، رغم وضوح الآية الكريمة: ﴿أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ﴾، و**﴿لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ﴾**. فالبيت والسكن حق أصيل، لا فضلًا يمنح، ولا هدية تُسترد.
الشريعة الإسلامية، بمقاصدها العظيمة، جاءت لحفظ الحقوق ورد المظالم، وقاعدة «لا ضرر ولا ضرار» تشمل الضرر النفسي والمادي والمعنوي. والنظام السعودي، أقر حقوق المطلقة في النفقة، والسكن المناسب، وحضانة الأبناء حتى عمر 15 عامًا، وأقرّ إلزام الزوج بالنفقة المؤقتة والسكن خلال العدة، وأعطى الحق في المطالبة بالتعويض إذا ثبت الضرر. كما أن «قانون المعاملات المدنية» الصادر في 2023 عزز مبدأ التعويض عن الأضرار، بما في ذلك الأضرار المعنوية، وهو ما يفتح الباب لتقدير مساهمات الزوجة غير الموثقة.
رؤية 2030 وضعت تمكين المرأة ضمن أولوياتها، ليس فقط في سوق العمل والمناصب، بل في تعزيز حقوقها داخل أسرتها، وحمايتها عبر أنظمة حديثة تراعي كرامتها وتكفل مساواتها في الفرص والحقوق.