وجدت نفسي مع الماء صديق يخدم، ويحمي، ويهتم. يحملني كحياة، وأحمله كقضية لمساندة الحياة. خدمته لصالح حاضر نعيشه، ومستقبل تمثله أجيالنا القادمة. مع الماء رأيت شخصي في حالة استثنائية عن البقية على مدى أكثر من ثلاثة عقود مضت. جسدت شرف خدمتي لقضية ندرة الماء في بلدنا «حفظها الله».
أترافع بحقائق العلم والمعرفة، وبشفافية نزيهة. تجاهلت نداء مصالحي الشخصية. خسرت مصالح دنيوية. البعض يقول: ضيعت وقتك.. فماذا كسبت؟ بالتأكيد يوظفون المقارنات ويستنتجون. ينحتون في جسم الواقع المادي ويحكمون. لكنهم لا يعلمون بأنني كسبت نفسي مع هذا السائل المعطاء.
تجاهلوا وغيبوا أن هذا الماء جعلني عظيماً أمام نفسي. شكّل شعوراً إيجابيا بمعالم تزيد من أبعاد مساحة الرضا عن نفسي، وقد تخطت السبعين عاماً. تلك حالة إيجابية يفتقدها البعض. هل عاشوا لأنفسهم فقط؟
لم أتوقف يوما واحداً من التفكير في الماء خلال الثلاثة عقود الماضية. من فعلها غيري؟ أقول بهذا تحديا، وفخرا، وإنجازا، ورضى مفتوح المساحة. وأضيف: لشخصي شرف ذلك.
عندما يتم ذكر شخصي أمام من يهتم، فإن ذكر الماء يحضر. عندما يتم ذكر الماء أمام من يهتم، فإن ذكر شخصي يحضر. يقول أحدهم: أذكرك مع استعمال كل صنبور ماء. الحياة عطاء وقد تعددت مسارات عطائي. تميزت عن غيري بتعبيد مسار دفاعي عن الماء منفعة مستدامة.
لم أتوقع يوما أن أصبح ذلك المدافع الغيور على المياه الجوفية. لم أتوقع يوما أن يرتبط اسمي بالماء. لم أتوقع يوما أن تكون المياه الجوفية قضية حياتي. لم أتوقع يوما أن تلازمني في جميع أوقات حياتي.. يوميا.. منذ أكثر من ثلاثة عقود. هذا ما جعلني استثناء عن الآخرين.
عندما يصبح هدفك شغلك الشاغل في كل لحظات عمرك، فهذا يعني أنك توجه جهودك لخدمة غايتك. هكذا فعلت مع الماء.
في حياتي ومع وضع ندرة الماء، وصلت مرحلة من التشبع، يفيض بالخير على الجميع. الدفاع من أجل استدامة المياه الجوفية هو أحد أنواع الخير والنعم التي أحمد الله على نجاح تحقيق استدامة الدفاع عنها.
وفقني الله لتوثيقها في كتب بلغ عددها حتى الآن «12» كتابا. لم أضيع وقتي كما يدعون. استثمرته لصالح نعمة الماء. لصالح الأجيال القادمة. لصالح الحياة، وتقربا إلى الله. أصبح دفاعي عن المياه الجوفية عبادة، وغيري يصنع العراقيل.
أود التأكيد بأن شخصي لا يؤمن بهلوسة الصدفة والحظ. لكن بالعمل الجاد، والمثابرة المعطاءة، والمحاولات المدروسة. كل شيء في حياتي صناعة حققتها إنجازا بكل صنوف وسائل وأدوات إرادة التحدي. وثقت بعض طلائعها في كتابي بعنوان: «إرادة التحدي». وضعته رسالة إنسانية لكل الأجيال، بألا ينهزموا أمام العقبات. لكن عليهم المواجهة والتحدي المعطر بكل صنوف الثقة، وسيصلون.
الفشل هو العجز في تخطي عوامل ومسببات العقبات والمثبطات. ابحث ونقب في نفسك عن قدرة الله وطاقاته التي استودعها في شخصك مع بقية البشر.
بعد هذا العمر الذي عشته مع منهج إرادة التحدي المغروس في نفسي منذ الصغر، وصلت لقناعة بأنه لا شيء يقف في وجه الفرد، بشرط أن يعرف غايته بدقة، ويثابر بعزم، ويوظف، ويوجه كل جهوده وإمكانياته لتحقيقها. ويستمر الحديث.
mgh7m@yahoo.com