في الأسابيع الماضية تابعت عن قرب نقاشات متعددة في وسائل التواصل الاجتماعي حول ممارسة مهمة في الشركات المساهمة، وهذا الممارسة التي تُعرف بـ «التعاملات مع الأطراف ذات العلاقة» كانت حديث الفترة الماضية بعد الإعلان عن النتائج المالية الربعية للعديد من الشركات، وفي هذا المقال سأتطرق لوجهة نظري حول هذه الممارسة.
التعاملات مع الأطراف ذات العلاقة في عالم الأعمال ليست بالممارسة الحديثة، وتعتبر من القضايا المالية والإدارية المهمة والشائكة التي يختلف عليها المساهمين بشكل متكرر، حيث يمكن أن تكون تلك التعاملات مشروعة وضرورية «في بعض الأوقات» لتحقيق مصالح معينة للشركة، ولكنها في نفس الوقت قد تُشكل أيضاً ضرراً على بعض المساهمين، وخاصة «صغار المساهمين» إذا لم تكن تلك التعاملات خاضعة لرقابة صارمة وواضحة.
مفهوم التعاملات مع الأطراف ذات العلاقة بشكل مُبسط هو «صفقات أو تعاملات تجارية تتم بين الشركة وأشخاص أو كيانات تربطهم بها علاقة تأثير أو مصلحة مشتركة»، ومثال على ذلك «كبار المدراء والرؤساء، أعضاء مجلس الإدارة واللجان التابعة، المساهمون الكبار، الشركات التابعة أو الشقيقة، أقارب أو كيانات تجارية مملوكة لأشخاص ذوي نفوذ في الشركة»، وتلك الصفقات أو التعاملات قد تكون في عدة صور منها على سبيل المثال «بيع وشراء أو تأجير واستئجار الأصول، تعاقدات لتقديم خدمات، منح قروض».
السؤال الذي يتكرر في ذهن العديد، هل هذه التعاملات لها آثار سلبية؟، والإجابة بإختصار؛ عندما لا تخضع هذه التعاملات لرقابة كافية وشفافة يمكن أن تؤدي إلى تضارب للمصالح وفساد مالي، حيث يفضل صاحب القرار مصالحه الشخصية على مصلحة الشركة، وتؤدي أيضاً لفقدان ثقة المساهمين في الشركة مما يؤثر على سمعتها التجارية، وبسبب غياب الرقابة والشفافية يؤدي ذلك للإضرار بمفهوم «الحوكمة» والذي للأسف لم نصل فيه لمستويات مقبولة في «العديد» من الشركات، خاصة التي يعتقد مُلاكها أن تأسيسها لتلك الكيانات يعطيها الحق في اتخاذ القرارات بشكل منفرد حتى لو تحولت لشركة مساهمة عامة.
كوجهة نظر وبحكم تجربتي الشخصية، بالامكان تطبيق العديد من الآليات لضمان «نزاهة» هذه التعاملات وحماية جميع المساهمين خاصة مُلاك الحصص الصغيرة، وأهم تلك الآليات من خلال تطوير مفهوم الشفافية والإفصاح وعدم الاكتفاء بإلزام تلك الشركات بالإفصاح عن جميع التعاملات مع الأطراف ذات العلاقة في التقارير المالية، بل يشمل ذلك الإفصاح عن المعايير التي تم اعتمادها لاختيار تلك التعاملات من خلال تقييم مستقل لأسعار السوق لنفس التعاملات ومراجعتها قانونياً ومالياً، وأقترح أن يتم هذا الإفصاح من خلال لجنة مختصة «والتي أنصح بتشكليها بشكل مستقل» لفحص التعاملات قبل الموافقة عليها.
بالإضافة لذلك؛ في السوق السعودي نحتاج لتطوير إجراءات العقوبات القانونية على كل من يستغل مصالحه الشخصية على مصالح المساهمين بغض النظر عن حجم حصة المستفيد أو نفوذه في الشركة، وأرى أن العقوبات الحالية لا تتناسب مع حجم الضرر الناتج عن هذا الاستغلال، وعدم وجود آليات واضحة وسريعة لتعويض المتضررين منه.
الشركات التي تتبنى وتطبق أفضل الممارسات في الحوكمة والشفافية في تعاملاتها مع الأطراف ذات العلاقة لا تحمي فقط مساهميها، بل تعزز أيضاً من سمعتها وقيمتها التجارية وقدرتها على جذب الاستثمارات، وتقلل من مخاطر تورطها في «التلاعبات والفضائح المالية»، ولذلك أقترح أن يكون هناك مؤشر مُعلن لتقييم مستوى تبني وتطبيق ممارسات الحوكمة لجميع الشركات المساهمة ويتم تحديثه بشكل سنوي، ويتم الأخذ به خاصة عند تعامل تلك الشركات مع البنوك والمؤسسات التمويلية، حتى يكون هناك اهتمام أكبر في رفع مستوياته.
ختاماً؛ التعاملات مع الأطراف ذات العلاقة ليست بممارسة «سيئة» في عالم الأعمال، ولكن في السوق السعودي أرى أن حوكمتها مازالت ضعيفة وأقل من المأمول منه في اقتصاد قوي مثل الاقتصاد السعودي، وتحتاج لإعادة النظر بشكل جاد وعاجل.
مستشار موارد بشرية
khaled@econsult.com.sa