h.talal.g@gmail.com
تأتيني أحيانًا موجة حنين عذبة، تبدأ من صوت شارة مسلسل “ليدي” أو ضحكة “لولو الصغيرة” أو نظرات “النمر المقنع”، وكأن الماضي يهمس لي بلطف: “هل تتذكر؟”
أتذكّر تلك الأيام التي كنا فيها “منظمين إجباريًا” دون أن نشعر. قناتان فقط على التلفزيون، لا مجال للسهر، ولا دخول لأفكار شاذة أو غير ملائمة لأعمارنا. كل شيء كان بسيطًا، لكنّه كان غنيًا.
نتذكّر الآن البرامج الثقافية التي لم نكن ندرك قيمتها وقتها، مثل “أبو الحروف” الذي علّمنا اللغة بحب، أو “بنك المعلومات” مع الدكتور عمر الخطيب الذي غرس فينا حب المعرفة. حتى “تيلي ماتش” الألمانية لم تكن مجرد لعبة، بل كانت شرارة إبداع، ومنها تعلمنا كيف نصنع بيتًا من قطع الأثاث ونقلّد التحديات.
ننظر اليوم لأدوات العصر الحديث، وندرك أنها أعظم في تنمية المدارك… لكنها أخطر أيضًا. فما بين الانفتاح الواسع، والرسائل المتداخلة، والمحتوى غير المُفلتر، تقف الأسرة أمام تحدٍ صعب: كيف نُربي أبناءنا تربية متزنة وسط هذا الزخم؟
هل يمكننا إزالة المؤثرات؟ لا.
هل نتجاهلها؟ بالتأكيد لا.
الحل؟ أن نُمسك العصا من الوسط.
وهنا يأتي دور الأب والأم، لا كأصحاب قرار نيابة عن أبنائهم، بل كمرشدين وموجهين. فالأب لا يخطط وحده، والأم لا تقرر وحدها، بل كلاهما شركاء في رسم الطريق.
لكن كيف نرسم هذا الطريق؟
الجواب بكلمة واحدة: اقرأ.
اقرأ لتفهم التربية الحديثة، اسمع بودكاست متخصص، اشترِ كتابًا موثوقًا، ثم اجلس مع شريكك في التربية، ناقش، دون الملاحظات، حدد النقاط المهمة، وابنِ خطة تربوية تناسب مهارات واحتياجات أبنائكم، من يومهم الأول حتى لحظة استقلالهم الفكري.
كما تُعد خطة استراتيجية لأي شركة، بفكر الربح والخسارة، حضّر خطة مستقبلية لعائلتك، لكن بمنظور القيم والمبادئ. هنا المكسب الحقيقي.
الزمن تغيّر، لكن النية الصادقة والوعي والتعلّم ما زالوا هم الركائز الأولى لبناء إنسان صالح… ومستقبل آمن