abuhady.1@gmail.com
لماذا الانحيازيات النفسية تعطل مسيرتنا الفكرية؟
هل العلم والمعرفة مضادات حيوية لداء الوهم المعرفي؟
كل إنسان له معتقدات مختلفة يعتقد بها ويحافظ عليها، ويكون له التحيز التأكيدي، وهو ميله للمعلومات التي تزيد تأكيده بما يعتقده مسبقًا، وتجاهله أو تقليله من أهمية ما يعارض معتقداته، يبحث عن أ ي فكرة أو معلومة تعزز ما يعتقده، يتغافل عن المعلومات التي تعترض فكرته، ويتجاهل من يدلي بتلك الأفكار التي تعترضه.
مثال على ذلك: رجل يحب التدخين ويعتقد أنه سر سعادته وكَيْفِه الخاص، فيبحث عن أشخاص أعمارهم طويلة وهم يدخنون، ولا يهتم بأي خبر عن إصابة أحدهم بمرض بسبب التدخين، بل يستدل بالأدلة التي تُعارض هذا الخبر.
ولا أحد في منأى عن التحيز التأكيدي، لأنه طبيعة بشرية، لكن للتقليل من هذا الميل لا بد من محاولة التشكيك فيما نعتقده، حتى يخفّ التحيز المؤكد لدينا. يحصل ذلك كما يشير علماء النفس، لأن الدماغ بطبعه يفضّل الراحة المعرفية ويكره التشكيك والتحدي، لذلك فإن الناس تحب أن تكون محقة دائمًا حتى لو لم تكن الحقيقة في صفّها. ولعل هذه السمة من أسباب ضعف المراجعة الذاتية، وتراجع النقاشات الموضوعية.
وإذا كان التحيز التأكيدي يُعزّز القناعة الذاتية، فإن التفوق الوهمي يضيف إليها وهمًا بالتفوّق على الآخرين. وهو ميل بعض الناس للمبالغة في قدراتهم المعرفية مقارنة بغيرهم، مثل شخص معرفته بالثقافة الرياضية سطحية، لكنه يظن أنه أفهم من الرياضيين والمحللين المختصين.
ويحصل ذلك غالبًا من نقص معرفي ومهني، فكلما قلّ علمك قلَّ إدراكك بحدود وعيك، وضعُف وعيك بنقصك. كمن يقود السيارة وهو مبتدئ، ثم يتوهم أن كل من حوله لا يعرفون القيادة، وأنه هو الأقدر فهمًا واحترافًا.
إن وجود هذين الانحيازين يفسدان النقاشات الفكرية، ويعيقان النمو والتطور، ويجعلان المهنية متأخرة عن مستواها الحقيقي. لذلك فإن المراجعة الذاتية ضرورة لكل من يحمل في داخله شيئًا من هذين الميلين، فالتسلح بالعلم والثقافة يقلل منهما. فلن تجد إنسانًا واسع الاطلاع غزير المعرفة ينحاز إلى وهم التفوق، بل هو صاحب عقل يبادل المعرفة، ويشكك في نفسه أكثر من غيره، لكي يقلل من حالة الهوية والانحياز التأكيدي.