كلمات ليست كالكلمات

لا يخفى على أحد أثر اللغة في التواصل بين البشر، فمن خلالها يعبرون عن مشاعرهم، من فرح أو حزن أو ألم، فقد تعمل الكلمات كمهندس يبني جسور التواصل والمحبة بين الناس، وقد تكون معول هدم يهدم البيوت وينهي العلاقات، وقد تكون واسطة الإنسان للوصول وقد تكون مفتاحا للقلوب، لكن تلك الكلمات على أنها مجرد حروف، إلا إنها قد تكون بثقل الجبال أو بخفة النسيم قد تكون قطرات ماء تروي قلب عطش و قد تكون إعصار تغرق في هوجائه الأنفس وهذا يعتمد على اللسان الذي تجري عليه.
«لا» كلمة صغيرة و مجانية لكنها عميقة الأثر و قد تكون باهظة الثمن، وقد تكون بلا هدف، فكم من «لا» دفع صاحبها عمره مقابلا لها، بل قد يكون الثمن أغلى من أن يطيقه وحده، فقد يدفعه معه أسرة كاملة من نساء ترمل وأطفال تيتم، وقد يكون الثمن مستقبل يضيع و أحلام تهدم وكأنها بيوت من بنيت من رمال، ف «لا» قد تكون موقف شجاع ورأي فعال.
وفي نفس الوقت قد تفضح سخافة وضحالة عقل قائلها، فقد تكون كدفتر الحضور والغياب في المدرسة تلفظ لمجرد إثبات الوجود، و الشعور بالأهمية، فتغدو بلا قيمة كورقة سقطت في يوم عاصف دون أن يشعر بها أحد.
ومن أثقل الكلمات على النفس البشرية «آسف»، وقد يخسر الإنسان نفسه وأقرب الناس إليه لرفضه النطق بها فهي من أغلى الكلمات ثمنا، فقد تعادل كرامة الإنسان، لذلك العاقل هو من يجنب نفسه قدر الإمكان الاحتياج لها، وذلك بتقدير الآخرين واحترامهم وعدم التقليل من شأنهم، فكرامة الإنسان تعادل روحه والله زرع الاعتداد بها في جميع الناس دون تفريق، ولكن من منا لم يخطئ يوما، وهنا يصبح الاعتذار من شيم الكرام وطيب أخلاقهم، غير أنه يرفع من شأن مقدمه لأنه يدل على أن الخطأ طارئ عليه وليس صفة متجذرة فيه.
أما أروع الكلمات و أعظمها أثر في النفس هي الكلمات التي تعبر عن مشاعر رقيقة كلمة حب و تقدير للزوجة تروي روحها وتعف نفسها وتحيي المودة وتغذي روافد نهر السعادة الذي تحيا على ضفافه عائلة سعيدة وأطفال مستقرين نفسياً، فأعظم هدية يقدمها الأب لأبنائه حبه لأمهم وكذلك الزوج يحتاج كلمة هينة لينة تزيل عن كاهله تعب يوم طويل وعناء الحياة خارج عشه الهانيء، أو كلمة بر يمسح بها الأبناء عرق جبين أب وعناء سهر ليالي أم كلاهما قدم كل ما يملك لتوفير حياة كريمة لأبنائهم، أو كلمة عطف على محتاج ترحم ذله و تجبر خاطره، أو كلمة تنصف بها مظلوم وأخرى تحي بها الأمل في نفس أغرقتها صعوبة الحياة في يأسها.
ومن هنا نعرف أن الكلمة ما هي إلا أداة حادة قد تكون مبضع جراح يشفي الألم ويعيد الأمل، وقد تكون سكين مدببة في يد لا تعرف الرحمة تجرح، وقد تقتل دون أن تبالي فرفقا بالقلوب، فنصل الكلمات جرحه عميق و أثر يحيا في الإنسان ما بقي.
nahednratrout@gmail.com

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *