إنا لله وإنا إليه راجعون.. عبارة نقولها حين يخطف الموت من نحب، فترتجف الأرواح وتضيق الصدور، وكأنها اعتراف عاجز بأننا لا نملك شيئًا… لا نملك من نحب، ولا نملك حتى فرصة الوداع الأخيرة.
نرددها حين تُعلن الأرواح رحيلها، وتغلق الحياة بابًا لم نكن مستعدين لإغلاقه.
نقولها بألم، بدموع، بصمتٍ لا يُترجم ، لكنها في الحقيقة ليست فقط تسليمًا بالقضاء، بل جرس تنبيه أخير لما لم يُقال، ولما لم يُفعل، ولما كان يجب أن يكون.
الفقد موجع، لا لأن الموت نهاية، بل لأنه يُجبرنا على العيش مع «لو»
لو كنت قلت لهم كم أحبهم لو كنت اعتذرت… لو كنت بقربهم في لحظات كثيرة.
لو أنني لم أؤجل تلك الكلمة، وتلك الزيارة، وتلك المصافحة الأخيرة.
نمشي في دروب الحياة معتقدين أن الوقت ملكنا، وأن الأحبة باقون إلى أن نشاء.. نؤجل اللقاء، نختصر المكالمة، نغفل عن التعبير، نركض خلف همومنا ونعطي ظهورنا لمن أعطونا قلوبهم.
ثم تأتي لحظة… بل جزء من اللحظة الواحدة، تُغيّر كل شيء، حين يتوقف قلب من نحب عن النبض، ونكتشف أن “وداعًا” لم تكن في الحسبان
كم مؤلم أن نُجْبَر على الفقد، لكن ما هو أشد وجعًا أن نفقدهم وبيننا كلمات لم تُقال، وعناق لم يُمنح، ووقت كنا نظنه مؤجلًا.
نمضي في الحياة مطمئنين أن الجميع باقٍ، وأننا متى شئنا سنلتقي، ونتحدث، ونعتذر، ونحب. لكن الحقيقة أن الموت لا ينتظر، ولا يستأذن، يأتي فجأة، ويتركنا في صمتٍ يعجّ بالندم.
كم من أبٍ رحل دون أن يسمع من ابنه كلمة “أحبك”، وكم من أمٍ توفيت وقلوب أبنائها مثقلة بتقصيرٍ لا يُعادله اعتذار. كم من صديق أو قريبٍ غادر ولم نُخبره كم كان وجوده جميلاً في أيامنا.
لماذا ننتظر أن يخطفهم الموت لنبكي، ونتألم، ونتمنى؟
لماذا لا نقول الآن ما نشعر به؟ نُحبهم في الحياة، لا على أطراف القبور؟ نتحدث إليهم، لا عنهم بعد الرحيل؟
الأيام قصيرة، والفرص محدودة، والقلوب تحتاج إلى دفء الكلمات لا إلى برودة الصمت. لا تؤجلوا اللقاء، ولا تختصروا المكالمة، ولا تستهينوا بقوة الكلمة الصادقة، فهي قد تُنقذ روحًا من وجع، أو تُشعل فرحًا في صدرٍ خافت ، لاتستهينوا بعناق دافئ يُعيد بناء الثقة بالنفس فهو كإنتشال رجل الإنقاذ لشخص مُحاصر بألسنة اللهب لايرى منها نجاة
امنحوهم الحب الآن، فالوداع لا يمنح وقتًا للكلام.
ارسموا في قلوبهم ذكرى تبقى، حتى إن غبتم أو غابوا.
فالحب الحقيقي لا ينتظر النهاية… بل يصنع الحياة.
رحم الله من رحلوا، وألهمنا أن نحب من لانزال معهم؛ بصدقٍ لا يعرف التأجيل، وبقلبٍ لا يبخل على من يستحق.
success.1997@hotmail.com