مرحلة الأساس في بناء الإنسان

تخيّل أنك على وشك تشييد صرحٍ عظيم فمن المؤكد، وقبل أن تضع الحجر الأول ستهتم بالأساس وتحرص على أن يكون متينًا قويًا، وتنتقي بعناية أجود المواد وتستعين بأمهر المهندسين والمقاولين؛ ليكتمل البناء ويصبح رمزًا ومعلمًا يُشار إليه بالبنان.
في هذا المقال لا أشير إلى أبنيةٍ من حجرٍ وأسمنت، بل إلى بناء الإنسان؛ ذلك البناء الذي يبدأ من المرحلة التي تُرسى فيها الأسس التي يُبنى عليها كل تطور ونمو في حياة الفرد، من بدايات الوعي إلى تشكّل الإدراك وصولًا إلى اكتمال الشخصية وتوجهات الفكر والسلوك، إنني في الحقيقة أشير إلى مرحلة الطفولة المبكرة وبوجهٍ خاص -مرحلة رياض الأطفال- الممتدة بين الرابعة والسادسة من العمر؛ حيث تُرسى فيها كافة الأسس النمائية.
إذ يبدأ الطفل بالتعلّم بطريقة حسية، كأن يلاحظ، ويجرب، ويلمس، ويستشعر، ويكتشف كل ما يحيط به، ساعيًا لفهم ذاته، ومحاولاً إدراك كل التفاصيل والتفاعلات من حوله، فتأخذ أبعاده النمائية في التطور بشكل سريع، وملحوظ، ومترابط، وتنمو معارفه شيئًا فشيئًا، ويتسع مفهومه حول نفسه والآخرين، لينتقل من التمركز حول ذاته إلى وعيه بأنه جزء من بيئة أكبر، وتبدأ سماته الشخصية بالتشكّل تدريجيًا.
تُعدّ هذه اللحظات اللبنات الأولى التي تشكّل إدراك الطفل لذاته وللآخرين، وأساس توجهه المعرفي والاجتماعي، بما ينعكس على أفكاره وتوجهاته وسلوكياته المستقبلية، وحين نُقر بأهمية هذه اللحظات وننتبه لأدق التحولات النمائية التي تطرأ خلالها، من ثم نحسن تقديم رعاية تربوية واعية، شاملة، ومتكاملة، نكون بذلك قد وضعنا حجر الأساس؛ لنموٍ سليم معرفيًّا، ونفسيًّا، وفكريًّا، واجتماعيًّا، فينطلق الأطفال كباحثين صغار شغوفين بما حولهم يبحثون عن المعرفة ويخوضون التجارب بثقة.
وإني أؤمن أن مرحلة رياض الأطفال ليست مجرد تمهيدٍ للمراحل التعليمية المقبلة فحسب، بل هي مرحلة مفصلية وفارقة، تُشكّل الأساس المتين في البناء الإنساني لذا، أدعو كل من يتعامل مع الأطفال أن يدرك ويعي بعمق خصائصهم النمائية، وأن يتعامل معها بمسؤولية تربوية تُوازي أثرها العميق على مستقبلهم وأن نمنحهم بداية تليق بعظمة ما سيكونون عليه مستقبلاً، حينها سنبني جيلًا واعيًا، قياديًا، صانعًا للأثر الإيجابي، يسعى لرفعة نفسه ووطنه الغالي.
alanoudasiri23@gmail.com

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *