من يسبر أغوار الحروب الماضية وشواهد التاريخ يصل إلى قناعة قاطعة بأن كل زعيم سياسي يحمل رؤية قومية متطرفة ويحقق في فترة من الفترات بعض المكاسب السياسية والعسكرية يصاب بلوثة غرور تجعله يعتقد بأنه لا ينهزم وبالتالي يتدرج في تضخيم الأنا حتى يسقط سقوطاً مدوياً.
هذا ما حصل بالفعل للعديد من الزعماء والقادة المتطرفين والذين كان هتلر آخرهم عندما تضخمت الأنا لديه واعتقد إنه متجه لحكم العالم دون النظر بواقعية للتحالفات الدولية حتى انهار تماماً وانتهى بالإقدام على الانتحار وأهلك بلده وشعبه لعقود لاحقة، أما اليوم فنشاهد رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو يركن إلى نفس النهج، فهو زعيم متطرف بدأ باستعراض قوته على دول خرجت للتو من رحم قيادة ذات طابع ميليشاوي، ظناً منه إن الأمر سينسحب تماماً على سابقيه وأن الانتصارات لن تتوقف في قراءة سياسية كارثية قد تنعكس تماماً عليه وتقود الى مزيد من الانفلات.
في سوريا، يلعب نتنياهو على ورقة الأقليات، وما لا يدركه نتنياهو هو أن الرهان على تفتيت المجتمعات من الداخل قد ينقلب ضده وضد كيانه، فحين تنهار دولة كبرى في محيط مضطرب، لا يتوقف الانهيار عند حدودها. بل يمتد ليطال دول الجوار، في شكل نزوح، فوضى، تصاعد تطرف، أو حتى حروب إقليمية. فالفراغات الأمنية لا تبقى فارغة، بل تملؤها قوى ذات طابع فردي يصعب احتواؤها لاحقًا. وهو يعلم تماماً إن استقرار الدول المجاورة له وسيطرة تلك الدول على الوضع ساهم في تقنين الحوادث الأمنية الفردية التي كان من الممكن قد تتطور لاحقاً.
وما لا تدركه الأقليات، وبالأخص أهلنا في السويداء وتحديداً دروزها، أن الركون إلى الإسرائيلي ينتج عنه خطرين كبيرين تتمثل أولاً في أن إنفلات الأمن وعدم الانصهار في الدولة سيقود حتماً إلى وضع معيشي واقتصادي وأمني واجتماعي أخطر عليهم من بقاءهم ضمن حدود دولتهم حتى مع وجود بعض التحفظات لديهم والأمر الثاني أن التسليم بأن إسرائيل ستبقى ضامنة وولاءها لهم هو أمر غير منطقي فالشواهد على ذلك كثيرة عندما تبيع الدول أدواتها.
إن حماية الأقليات لا ينبغي أن تكون ذريعة لتقويض الدول، ولا وسيلة لتمزيق المجتمعات. بل يجب أن تُصان حقوقهم ضمن وحدة وطنية متماسكة. وعلى كل من يسعى لتحقيق الأمن أن يدرك أن الاستقرار لا يُبنى على التفريق، بل على التفاهم والتكامل.
في الحالة السورية نجد أن الشرعية الإقليمية والدعم العربي الواسع للنظام الحالي جعل من أي عدوان عليه أمرًا محفوفًا بالمخاطر السياسية والدبلوماسية. وإن استمر تصعيد بعض الأطراف، كما تفعل إسرائيل أحيانًا، فهو مغامرة قد تدفع المنطقة إلى مسار لا تُحمد عقباه. إذ إن سوريا لم تعد دولة معزولة، بل أصبحت محورًا لتحالفات وتفاهمات دولية، وأي مساس بها قد يفتح الباب لتدخلات أوسع، لا تصب في مصلحة أحد.
وما يجب أن تعرفه بعض القوى التي تحاول اللعب بورقة الأقليات، هو أن السويداء متجذرة في نسيج الدولة السورية، وليست جزيرة منفصلة. وكلما زادت الضغوط أو الإغراءات لخلق «خصوصية سياسية مستقلة» لها، زاد خطر انفجار الوضع. ليس فقط بسبب تعقيد المشهد الداخلي، ولكن لأن دمشق اليوم ليست معزولة عن محيطها كما كانت إبان بشار الاسد.
الدروز في السويداء ليسوا بيادق في حلم اسرائيل الأكبر، بل هم مكوّن أصيل من مكونات الشعب السوري، لهم حقوقهم، وتطلعاتهم، وهواجسهم، كغيرهم من السوريين. وأي محاولة لتحويلهم إلى أداة تفكيك أو ورقة مساومة، لن تؤدي إلا إلى إشعال فتيل صراع لن يبقي ولن يذر.
على حكماء السويداء والدروز خصوصاً النهوض والخروج من عباءة بعض النافذين دينياً أو اجتماعياً وضمان مستقبلهم والعمل تحت مظلة الدولة كما يفعل أقرانهم من دروز لبنان وكذلك دروز فلسطين المحتلة والذين يعيشون تحت الدولة رغم معاملتهم كمواطنين من الدرجة الثانية أو الثالثة ولكنهم ينظرون إلى المصلحة العامة وإلى الصورة الأكبر.
harbimm@gmail.com